-->

في رحيل الشهيد "الكوماندو" ... الرجل الطيب و المتواضع ...


في غفلة من زمن النكران رحل عن دنيانا الفانية و في صمت رهيب المقاتل الطيب الذي نحسبه عند ربه من الشهداء البررة الذين افنوا أعمارهم في خدمة القضية و تقوية جيشها، أصحاب العهد و الوفاء، و الإخلاص و العطاء، الشهيد: محمد عبدالله، المعروف قيد حياته ب "الكوماندو".
كان في ما يشهد له رفاقه المقاتلين المرابطين بساحات الوغى بمثابة الأب الحاضن و المرشد الموجه الناصح و المصلح المصحح، لم يبخل جهد في ترتيب فيلقه و بنائه و تقويته، يحن على جنوده كحنانه على فلذات كبده، يوجههم لخدمة الصالح العام بعيدا عن المحسوبية والقبلية و حسابتها الضيقة .
كان رجل معارك بإمتياز و ابن الميدان شجاعا همام لا يخشى عدوه و لا يهابه، وقد خلد رفاقه تلك الخصال في شهاداتهم و تعزيتهم و رثائه. 
ولكن من جهة أخرى، وفي الجانب الأخر الذي كان غائب عن من لا يعرفه عن قرب، كان إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث استغل رحمة الله عليه كل عطله ـ وهو يرتدي زيه العسكري الذي لا يفارقه أبدا حتى في أيام العطل"التسريح" ـ للإطمئنان على الجيران و صلة الرحم و مساعدة المحتاجين و الضعفاء و اليتامى من حر ماله على قلته، و كان بحق رجل القناعة و الانسانية.
ومما يذكر في هذا الجانب أن الشهيد تكفل وفي سرية تامة باليتامى على قدر إستطاعته و جهده، وكان يساعد المحتاجين ولم يعلم أي أحد بذلك الا بعد رحيله عن هذه الدنيا الفانية. 
كما كان الناصح و المرشد المسؤول عن عائلة و أبنائه حيث كان يقدم النصائح و التوجيه مستدلا دوما بالآيات و الأحاديث و متون الشعر، ويحث أبنائه على كل الخصال الحميدة التي ترفع من شأنهم و تمتن وتعزز مكانتهم في المجتمع وترفعها عند خالقهم، و بذلك يكون رحمة الله عليه قد احسن و تفنن في تربيتهم، ليكونوا بحق خير خلف لخير سلف. 
رحل الرجل الطيب و المقاتل الصنديد صاحب الإبتسامة الدائمة التي لا تفارق محياه رغم كل الإكراهات، تاركا فراغ كبير يصعب سده في قلوب كل من عاشره و عرفه عن قرب، وخير دليل على مكانته في قلوب رفاقه و جيرانه و أحبابه حجم التعازي و قصائد الرثاء التي خلده بها البعض في متون الشعر الحساني و بحوره.
رحل الرجل بغير رجعة تاركا وراءه إرث من الخصال الحميدة التي جعلته فريد زمانه، مما سيخلده في ذاكرة شعبه وفي قلوبهم بحول الله .
اللهمّ أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنّة، وأرحمه من عذاب القبر، ومن عذاب النّار، اللهمّ اجزه عن الإحسان إحساناً، وعن الإساءة عفواً وغفراناً.
اللهمّ أدخله الجنّة من غير مناقشة حساب، ولا سابقة عذاب، اللهمّ اّنسه في وحدته، وفي وحشته، وفي غربته. 
اللهمّ أنزله منزلاً مباركاً، وأنت خير المنزلين. اللهمّ أنزله منازل الصدّيقين، والشّهداء، والصّالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
اللهمّ اجعل قبره روضةً من رياض الجنّة، اللهمّ افسح له في قبره مدّ بصره، وافرش قبره من فراش الجنّة. اللهمّ أعذه من عذاب القبر، وجفاف ِالأرض عن جنبيها، اللهمّ املأ قبره بالرّضا، والنّور، والفسحة، والسّرور.
ولا يسعني في ختام هاته الحروف على قلتها أن أوفي الشهيد حقه، لأنه ومهما كتبت أو كتب غيري ستبقى قليلة جدا في حق الشهيد "الكوماندو"، ويبقى عزائي وعزائكم فيه ما قاله الشاعر اللبناني "عادل نايف البعيني" : 
يا فارساً عرشَ العُلا تتربَّعُ *** صُمُّ الجبالِ أمامَ عزمِكَ تَركعُ 
أذللْتَ حُبَّاً للحياةِ ونزعةً *** وَهَببْتَ طوعاً عنْ دِيارك تَدْفعُ 
ظَمِئَتْ جراحُك للعُلا فسَقَيْتَها *** نبلاً ومَجْدا بالشَّهادَةِ يُتْرَعُ 
وَسَعَيْتَ للأَمجادِ تَطْرُقُ بابَها *** بابُ الشَّهادةِ خير بابٍ يُقْرَعُ 
وإذا الكرامةُ والنَّبالةُ و الفِدا *** إكليلُ غارٍ فوقَ هامِكَ يُوضَعُ
مَنْ كالشَّهيدِ وقدْ سَمَت أخلاقُهُ *** هذا نِداؤهُ للعُلا فلْتَسْمَعوا 
فعلامَ يا وَطَنَ العُروبةِ صامِتٌ *** و وِصَالُ شعبِكَ تِلْوَ بعْضٍ تُقْطَعُ
أَسْرِجْ خُيُولكَ قَد كفاكَ تبَاطُؤاً *** كُنْ كالشَّهيدِ وَقَدْ جَفاهُ المضْجَعُ 
هِي لِلشّهادَةِ مُنْذُ كانتْ أرْضُنا *** وَسَتَبْقى دَوْما للشَّهادَةِ تنْزَعُ 
هادي و وَجْدي مِشْعَلا بيّارَةٍ *** وسناءُ نجمٌ قَدْ هوى يتضوّعُ 
حيُّوا الشّهيدَ و قَبِّلوا أجفانَهُ *** ودَعوا الورودَ على جِراحهِ تَهْجَعُ 
لا تَدْفِنوه دَعُوهُ في عَلْيائِهِ *** عَلَماً بِنورِ إبائِهِ نَتَطَلَّعُ 
نِعْمَ الشَّهِيدُ وَقَدْ شَهِدْنا عُرْسَهُ *** لا لِلدموعِ وبِئْسَ عيْناً تَدْمَعُ 
فَتَهَلَّلي أمَّ الشَّهيدِ وَزَغْرِدي *** فالْيَومَ أعْراسُ الدُّنا تَتَجَمَّعُ 
لا تقلِقوهُ بِماءِ أعْيُنكمْ فقَدْ *** ساءَ الشَّهيدُ بأَنْ يزَفَّ وتَجْزعُوا 
يا فارساً بَذَلَ الحياةَ رخيصَةً *** بُورِكْتَ شِبلاً لِلْمَعَاليَ تَنْزعُ 
دَمُكَ المنارةُ تَهتدي بِشعَاعِها *** سُفُنُ الفِداءِ المارداتُ الشُّرَعُ 
فَتَوسَّدِ الجَوزاءَ في عِزٍّ وكُنْ *** كالشَّمسِ شامِخةً تهِلُّ وتسطَعُ
*- ميشان إبراهيم اعلاتي .
مودة و إحترام ... محبة و سلام ...

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *