مخالب الإمارات تصل الصحراء الغربية
في إستراتيجية للتمدد وبسط النفوذ والهيمنة، رمت الإمارات العربية المتحدة على كاهلها الهش في السنوات الأخيرة حملا ثقيلا جدا يتجاوز حجمها التاريخي والديمغرافي والحضاري بمئات المرات، في سياسات أحدثت انقلابا واضحا على أسس ومقومات الدولة المتشكلة من اتحاد سبع إمارات، وهي المبادئ التي وضعها المؤسس زايد بن سلطان آل نهيان 1971 ديسمبر02، فإضافة لمناطق أخرى، فإن هذا التمدد يبدو انه أضحى واقعا معاشا وصلت مخالبه إلى الصحراء الغربية، فما هي طبيعة الدور الإماراتي في منطقة ساخنة تشهد فصلا جديدا من حرب التحرير بين الجيش الصحراوي وجيش الاحتلال المغربي ؟، وما هي أهداف ذلك الدور؟
من سوريا شمالا إلى اليمن وجزره والقرن الإفريقي (الصومال، وجيبوتي) جنوبا، فالعراق شرقا، مرورا بمصر والسودان وليبيا وتونس وصولا للمملكة المغربية والصحراء الغربية وموريتانيا غربا، وتحقيقا لأجندات أضحت واضحة لا لبس فيها، تعمل الإمارات وهي الدولة الخليجية الغنية بالنفط على بسط نفوذها وتسخير أموالها الطائلة لتحقيق ذلك النفوذ والسيطرة في مختلف الصعد، فاقتصاديا، تقوم سياساتها على الهيمنة على الموانئ والشركات والمنشات الحيوية ومصادر المعادن النفيسة في مختلف البلدان، أما سياسيا، فتسعى الإمارات إلى تحقيق عدة أهداف، وعلى رأسها الحفاظ على المصالح الغربية الاستعمارية في المنطقة، والسيطرة على الدول واختراقها، ومحاربة تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة الإنسانية، وإجهاض المحاولات الشعبية العربية للتخلص من الديكتاتوريات، والتي انطلقت منذ نهاية 2010 من تونس الخضراء، كما تمتلك المشيخة الخليجية حلما عميقا في إخماد ما تعرف ب"ثورات الربيع العربي"، وتخريب ما تحقق من أهدافها، والقضاء على ما تسميه ب"الإسلام السياسي"، ودعم الأنظمة الاستبدادية والعسكرية، وتصفية القضية الفلسطينية وفق مخطط صفقة القرن (خطة كوشنير)، المبنية على سلام مذل للمسلمين والعرب والفلسطينيين يحقق مطامح وأجندة الكيان الصهيوني في الأرض الإسلامية المقدسة، تحت المبدأ المسمى "السلام مقابل السلام"، دون حتى الحصول أدنى الشروط والحقوق الفلسطينية التي تنص عليها المبادرة العربية، المبنية على مبدأ "الأرض مقابل السلام"، ومنها، القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، واسترجاع أراضي 1967، وعودة اللاجئين، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة...، والأخطر من ذلك كله، تعمل الإمارات على تحقيق أجندات دينية غير معروفة الأهداف، إذ تمتلك رغبة جامحة مجهولة المأرب في التأسيس لدين جديد تسميه (الدين الإبراهيمي)، وتاليا نشره، وهو مزيج من عدة أديان ومذاهب، وقد شرعت بالفعل في التحضير لأسس ذلك الدين إيديولوجيا وفكريا وماديا، وفي هذا الإطار بدأت المشيخة في تشييد مبنى ضخم لمعبد سيكون مركزا لهذا الدين الهجين في إمارة ابوظبي، والذي من المنتظر أن يتم تدشينه العام المقبل (2022).
1ـ طبيعة التدخل الإماراتي في الصحراء الغربية...
رجوعا إلى التموقع العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي لدولة الإمارات البالغ التأثير في الصحراء الغربية، فقد بدأ ذلك التموضع الجيوإستراتيجي بشكله العلني الفاضح بفتح القنصلية الإماراتية في العيون المحتلة 04 نوفمبر2020، وكانت تلك الخطوة مقدمة لتدخل أشمل ضمن خطوات أخرى سرية وعلنية لتنفيذ "صفقة الصحراء الغربية" المرتبطة بما تسمى "صفقة القرن" حول القضية الفلسطينية، وقتها علم المتابعون لخفايا تدخلات هذه الدولة وتجارب عقد من الزمن، تميز بإشعالها مع أخواتها الخليجية للحروب وما نتج عنها من الدماء والدمار والخراب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد أن حولت دول البترودولار الخليجية المظاهرات السلمية إلى فتن وصراعات مسلحة وحروب أهلية، بفعل أموالهم وأسلحتهم وتدخلاتهم القذرة، علم المتابعون أن فتح القنصلية هو تشجيع مباشر للاحتلال المغربي للتخلي عن ما تبقى من إلتزاماته الدولية تجاه عملية السلام، ودعوة إلى الاستمرار في الخروقات المغربية، ودفعا له لمواصلة تكريس سياسات الأمر الواقع، التي يحاول المخزن من خلالها فرض إرادته على الشعب الصحراوي والمجتمع الدولي، وإظهار احتلاله لبلادنا بثوب المنتصر الذي حقق "الحسم النهائي" والمزعوم في قضية الصحراء الغربية، وقد أعتبر تشجيع الإمارات لواقع الاحتلال المغربي وتعنته مؤشرا واضحا لدفع المنطقة لتون حرب جديدة، وهو ما كان بالفعل بعد أقل من عشرة أيام فقط على فتح القنصلية الإماراتية بالعيون المحتلة، حيث أسفر الخرق المغربي بمنطقة الكركرات يوم الجمعة 13 نوفمبر2020 عن رد ميداني شامل من الجيش الصحراوي أستهدف مواقع وتخندقات جيش الاحتلال المغربي، على طول جدار الذل والعار، أمتد من منطقة تويزكي شمالا، إلى الكركرات جنوبا، وإعلان جبهة البوليساريو عن انتهاء العمل باتفاقية وقف إطلاق النار، الموقعة بين الطرفين بوساطة أممية (1991).
وارتباطا بما تعرف إعلاميا ب"صفقة القرن"، وتحديدا منها الجزء المتعلق ب"صفقة الصحراء الغربية"، فقد كشفت مصادر عدة عن توسط الإمارات والسعودية وعلى مدى شهور عدة (2019 ـ 2020) بين الاحتلال المغربي والإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، قصد الحصول على الاعتراف الأمريكي ب"السيادة المغربية" المزعومة على الصحراء الغربية، مقابل أن تعلن المملكة المغربية عن علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وترفعها من خانة السرية إلى العلنية، بعد عقود من التعاون والعلاقات السرية بين الطرفين في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والفنية والسياحية... ، والتي امتدت منذ سنة 1965.
وتلعب الإمارات دورا أساسيا في الحرب الدائرة حاليا في الصحراء الغربية بين الجيش الصحراوي وجيش الاحتلال المغربي، إذ تأكد وجود تشجيع إماراتي سري للخرق المغربي بمنطقة الكركرات، حيث وبعض تذبذب في العلاقات، أكدت الإمارات وبعض شقيقاتها الخليجية للاحتلال المغربي الاستمرار في ضخ الاستثمارات في الاقتصاد المتهالك، كما ضمنت المشيخة النفطية تمويل المجهود الحربي المغربي في حالة ردت جبهة البوليساريو على الخرق المغربي أواخر سنة 2020، وبالفعل، فقد تواترت الأنباء من مختلف المصادر الإعلامية وعبر الشواهد الميدانية والمعلومات القادمة من ساحات القتال على تكثيف الإمارات لدعمها العسكري لصالح جيش الاحتلال منذ بدء حرب التحرير في مرحلتها الثانية بين الجيشين الصحراوي والمغربي، بل وانخرطت بالصراع بشكل مباشر وفعال، ووردت طائرات بلا طيار مرفقة بخبراء عسكريين من جنسية إماراتية، إضافة لإسناد جيش الاحتلال بمرتزقة من مختلف الجنسيات وبخبرات عسكرية متنوعة، وهم يعملون حاليا لصالح الدولة الخليجية في الصحراء الغربية، وقد أكد ذلك الجيش الصحراوي عبر الناطق باسمه، الأمين العام لوزارة التوثيق والأمن سيدي أوكال، حيث صرح المسئول العسكري بمقتل خبير إماراتي وجرح آخر، نهاية شهر نوفمبر 2020 في استهداف من الجيش الصحراوي لقواعد جيش الاحتلال المغربي على مستوى جدار الذل والعار، المسئول الصحراوي الذي كان يتحدث في لقاء خاص مع التلفزيون الوطني، قال بهذا الخصوص إن الضابطين كانا "بصدد نقل خبرتهم ومعارفهم التكنولوجية للجيش الملكي، تلك الخبرات القذرة التي ادخلوها إلى ليبيا وسوريا وهم الآن يزودون بها الجيش الملكي"، وموازاة مع الانخراط الإماراتي المباشر في الصراع، شنت وسائل الإعلام الإماراتية ولا تزال حملات مسعورة ضد الشعب الصحراوي وكفاحه التحرري، مليئة بالمغالطات والأكاذيب، واكتفت تلك الوسائل باجترار الدعاية المغربية دون أدنى اجتهاد أو تمحيص، وتمثل قناة "سكاي نيوز عربية" و"الغد" رأس الحربة في هذه الحرب التضليلية، وقد يستغرب المتابعين لتلك القنوات الغير مدركين لخلفيات هذه الحملة وأسبابها هذا الاهتمام المبالغ فيه في الأشهر الأخيرة من قبل القنوات الممولة إماراتيا بملف الصحراء الغربية، وهي المنطقة البعيدة جغرافيا عن الصراعات التقليدية في منطقة الشرق الأوسط، وببساطة، فالأمر جاء لمرافقة ومواكبة التدخل الإماراتي وإيجادا المبررات والمصوغات المختلقة له، وكدعم دعائي ومعنوي للحليف المغربي.
بقلم: عالي محمد لمين