-->

الحاجة الى التنظيم السياسي الواعي بواقع وأهداف بناء القوة الذاتية

 


انطلقت الثورة الصحراوية بوسائل ذاتية غاية في التواضع، لكن بإرادة فولاذية وعزيمة خارقة، جعلت الغزاة يراجعون حساباتهم، فعدالة الحق الذي يناضل من اجله الشعب الصحراوي جعله قادرا على قهر اعتى جيوش العالم، فهو الشعب الذي لم يخنع يوما ولم يستسلم للقهر او المذلة والاستصغار، فقد اعتاد مواجهة محاولات استعمارية عبر التاريخ جربها البرتغاليون والايطاليون والانجليز والبلجيكيون والفرنسيون والألمان والإسبان وكان آخرها الاحتلال المغربي الذي لايزال جاثما على جزء من الصحراء الغربية.

تركزت خطابات مفجر الثورة الصحراوية، الشهيد الولي ـ رحمه الله ـ على بناء القوة الذاتية والاعتزاز بها، هذه القوة التي يعضدها الحق ويزيد من امكانية انتصارها على حق القوة مهما تعاظمت عدته وعتاده، ويقول الولي ان "الإنسان الذي لديه الحق يستطيع أن يعبر وأن يدافع عن ذلك الحق حتى ولو كان أبكما، صحيح انني لا اعرف قانونا ولا سياسة ولكنني إنسان لدي حق في الاستقلال والحرية"، فالشعب الذي يمتلك الحق يستطيع التحرر حتى وإن كان معدما للعدة والعتاد، باعتبار الإرادة في انتزاع الحق والتضحية في سبيل ذلك أسلحة قادرة على تحقيق الهدف المنشود إلا ان ذلك الأمر يتطلب مسألتان يحددهما الولي في البروز للناس كقوة حقيقة ميدانية، وإفهام الناس للحقائق بما فيها الواقع الاستعماري المرفوض الذي يعيشه الشعب الصحراوي وحتمية انتصاره على هذا الواقع الذي يعمق الواقع المرفوض ويرهنه لسياسات استعمارية، تستغل هذا الواقع لتحكم سيطرتها عليه، وتستنزف خيراته وتعبث بحقوقه ومصيره.

إن بناء القوة الذاتية في فكر الولي تحتاج للإطار الذي يضمن الحفاظ والإبقاء على تلك القوة المسخرة للأهداف التي وجدت من اجلها أصلا وهو ما يتطلب توفر التنظيم السياسي الواعي بواقع وأهداف القوة الذاتية والقادر على تحديد متطلبات كل مرحلة وأولوياتها الانية والمستقبلية وأساليب توظيف ماهو متوفر من إمكانات مع رفع الشعار وتكريس الوعي الملائمين لكل ظرف وحين، فالسبيل للوصول الى هذه الأهداف يمر عبر بناء الذات على جميع الصعد البشرية والمادية والتنظيمية والفكرية وجعلها في مستوى الإجهاز على العدو[1]وإلحاق الهزيمة به ومن ثم تحقيق الأهداف التي اندلعت من اجلها الثورة، وكلما قطعت الحركة اشواطا في بناء القوة الذاتية كلما ضعف العدو ومن هذه الحقيقة المنطقية "كلما تقوينا نحن، ضعف عدونا" انطلق الولي في بناء القوة الذاتية، مرسخا قيم العطاء والتضحية في سبيل أهداف نبيلة لشعب له مبادئ ويدافع عن حقه الطبيعي في الحياة الحرة والعيش الكريم"إننا شعب منظم، له أهداف، له مبادئ.. شعب حق يدافع من أجل الحق".

ويركز الولي على القوة الذاتية في مواجهة حرب الإبادة وكيف استطاع الشعب الصحراوي تحقيق انتصارات على القوى المتكالبة على حق الشعب الصحراوي في الحياة الكريمة، في خطاب ام أدريكة حيث يقول: باسمكم وبمناسبة احتفال القوة الذاتية للشعب العربي الصحراوي في إنقاذ أرواح سكان أم ادريكة من قنابل النابالم التي حددها الأخ مسؤول القسمة الرابعة للناحية الثالثة للجيش الوطني الشعبي، وسماها قنابل رجعية امبريالية من نوع نابالم ...طبعا نحن نجحنا في انقاذ الكثير ليس كل، الكثير فقط من ارواح سكان ام ادريكة بفضل شيء واحد هذا الشيء هو اننا وجدنا الطفلة المبتورة اليد، لم نتحدث عن قطع يدها تحدثنا عن إرادتها وإرادة أسرتها في الحياة في وطنها حرة كريمة مرفوعة الرأس" وذلك بفضل ايمانها الراسخ بعدالة قضيتها وقدسية الحق الذي يناضل من اجله شعبها ثم يستعرض الولي حالة أخرى تعكس قوة هذا الصمود الذي ساهم في إلحاق الهزيمة بالعدو رغم الجراح ووحشية الهجمة التي تعرض لها الشعب الصحراوي ولم يسلم من فظاعتها النساء والأطفال والشيوخ فيقول: "نجحنا أيضا لأننا وجدنا امرأة مصابة ثلاث مرات، ولم تكن تتحدث بمنطق الضعف، وإنما كانت تتحدث بمنطق الإرادة القوية، إرادة الحياة ونقصد بالحياة حياة الناس التي يجب ان تكون حرة كريمة وليست حياة البهائم التي تساق لأهداف معينة من اجل لقمة تأكلها" هذه القدرة على التحدي التي يعتبرها الولي مثار اعتزاز ومصدر قوة والتي تجسدها هذه الصورة الحية لنساء وأطفال تعرضوا للقصف الشنيع وارتكبت في حقهم مجازر مروعة لكن إيمانهم بحتمية النصر كانت أقوى، فاستطاع ان يحول الحزن والألم الى تحدي وصلابة وقوة الإرادة.

ولتأكيد مواقف هؤلاء الأبرياء الرافضة للعدوان يضرب لهم الولي مثالا بتضحيات الشعب الجزائري الذي كان الولي حينها يخاطب من على جزء من ترابه الذي فتحه أمام اللاجئين الصحراويين فيقول: "انه من الطبيعي أن نلتقي على هذه الأرض، نحن الكرماء المكافحون لأننا نحن مؤمنون إيمانا بإرادة الحرية، إرادة الاستقلال، إرادة رفض العبوديــة، لماذا من الطبيعي أن نلتقي على هذه الأرض لأنه لا يوجد شبر منها إلا و سالت عليه دماء أبرياء مؤمنين و مكافحين مثلما قدم الشعب الصحراوي من تضحيات فالثورة الجزائرية التي استمرت لمدة 130 سنة في الكفاح المستميت ضد الاستعمار الفرنسي، عاشت عليها شعوب المنطقة والمكاسب التي حققتها هذه القوى على حساب الثورة الجزائرية والمتمثلة في الاستقلالات المزورة فلولا الثورة الجزائرية لما تحقق أي استقلال و لولاها لما كان هناك ملك في المغرب ورئيس في تونس يسمى حبيب بورقية ورئيس موريتانيا مختار و لد داداه و لولاها لما حصلت الكثير من الشعوب الأفريقية على استقلالها.

لينتهي الى خلاصة بان الثورة الجزائرية أنقذت الشعوب و خدمتها و لو جزئيا لأنه لا تزال هناك شعوب تخضع للاستعمار و بالتالي فان هذه الأرض يمكن تسميتها بأرض الحرية وارض الكرامة، ارض الإرادة الصلبة وما دمنا نحن نرفض الاستعباد و شعب يكافح عن الحرية و الكرامة فمن الطبيعي أن نلتقي أو أن نتواجد على هذه الأرض لأنها ارض الكرماء.

وبعدما ضرب المثال بالثورة الجزائرية وتأثيرها ليس فقط في تحرير ارض وشعب الجزائر من الاستعمار بل امتد تأثيرها الى نيل دول الجوار الاستقلال المزور الذي يبقى معه النفوذ والتحكم والحرب بالوكالة، يعدد الولي انتصارات الشعب الصحراوي فيقول: "نلتقي الآن بعد إحراز بعض الانتصارات... الانتصار الأول هو ان ماكنا نسميها دولة 99 حرب لم تعد دولة حرب واحدة، خرجت مطأطئة الرأس رغم المدرعات والدبابات والطائران وكل العدة والعتاد اسبانيا خرجت مهزومة من الصحراء الغربية" فاسبانيا التي كانت تفاخر بانها ربحت عشرات المعارك وتمتلك في مستعمرتها جيشا قوامه 56 الف جندي مدججين بمختلف الأسلحة والمعدات الحربية استطاع الشعب الصحراوي بقوته الذاتية وإمكانياته المتواضعة إلحاق الهزيمة به وإخراجه صاغرا من الأرض تاركا المجال أمام "القوة الرجعية المغربية عميلة الامبريالية التي يسميها الولي هنا بـ"مسمار جحا الإمبريالي" المغروز في القارة لما دخل أرضنا وأراد ان يحل محل اسبانيا لكي يشكل قاعدة للانطلاق لمناهضة امال الشعوب ولتحطيم إرادتها الثورية في المنطقة نحن أحرزنا عليه بعض الانتصارات سواء في الميدان العسكري او الميدان السياسي، ففي الميدان العسكري استطاع أبناء هذا الشعب رغم قلتهم و قلة الوسائل تحقيق انتصارات وكان سلاحهم الوحيد هو قوة لإرادة وفي معرض حديثه عن القوة الذاتية يقول شهيد الحرية والكرامة : "الحرب سننقلها الى داخلهم ونقول لهم ان قوتنا ليست محدودة في الدفاع عن الساقية الحمراء ووادي الذهب، قوتنا موجودة وأكثر وقادرة على مواجهة الأنظمة الرجعية حتى في داخل عقر دارهم، وفي حصونها المحصنة قوتنا موجودة وقادرة على ضرب القواعد الخلفية الموجودة في لبيرات وفي ابطيح وفي الطنطان ... قوتنا الذاتية غدا وبعد غد ستكون قادرة على الوصول الى اغادير وبعد غد ستكون قادرة على الوصول الى الدار البيضاء"ثم يذكر الشهيد الولي بالعهد الذي قطعه هؤلاء الأبناء المتمثل في عودة الشعب إلى أرضه مرفوع الرأس وكذلك استطاعت قوته العسكرية رغم قلتها في العدد والعتاد ان تصمد أمام قوة 20 ألف جندي ممولة من طرف أمريكا، وبعض دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية وكل الأنظمة الرجعية العالمية انه ليس مجرد كلام وإنما الدلائل قائمة أمامكم وأشياء واقعية فمثلا سيارات الجيب التي أمامكم والتي يستعملها جيش التحرير الشعبي هي جيبات أمريكية مسلمة من الجيش الفرنسي و الشاحنات هي أمريكية و مسلمة مباشرة للمغرب كما أن فرنسا تسلح الآن الجيش المغربي قبل أن تسلح الجيش الفرنسي إذن هذه القوة الوطنية القليلة استطاعت أن تصمد حتى الآن أمام هذه القوة المغربية المدعومة بالقوة الإمبريالية التي لا تكتفي فقط بدعمها و تسليحها و إنما تخطط لها العمليات العسكرية فمثلا حملة امكالا والمحبس مخططها كولونيل إسباني و بالتالي فان هذه القوة المدعمة رجعيا وإمبرياليا هدفها ليس مناهضة الشعب الصحراوي وحسب وإنما كل القوى الثورية و في مقدمتها الجزائر و شعوب المنطقة.
ويشيد الولي باحتضان الجزائر للصحراويين وفتح ذراعيها أمام الفارين من القنبلة والقتل "نحن شعب فرض عليه الخروج من أرضه تحت قوة السلاح و احتضنتنا ارض عزيزة علينا لأنها ارض الكرماء أو كما قال ألأميرال كابرال أنها الجزائر مكة الثوار، ليؤكد إننا شعب مؤمن بحقه في الحرية و الاستقلال و هو مستعد للكفاح من اجله حتى النهاية.

المصدر: كتاب الثورة الان او ابدا، حمة المهدي ـ ص 48/ 2018

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *