-->

النظرية الثورية شرط أساسي لنجاح التغيير


طبعا في إطار بحثنا عن فهم الثورة أو التغيير سنأخذ على سبيل المثال ما يسمى بالربيع العربي أو الحركات الإحتجاجية العربية التي ادت الى قلب الحكام العرب, وعجزت في نفس الوقت عن قلب الأنظمة العربية، وليس هذا على سبيل المقارنة بين هذه الحركات،والثورة الصحراوية،لأن هذه الحركات جاءت من أجل عصرنة المجتمع ودمقرطة المجتمع كهدف استراتيجي، بينما ، الثورة التحررية في الصحراء الغربية جاءت من أجل تحرير الأرض،أما عصرنة المجتمع ودمقرطة الدولة الصحراوية فقد كان نتيجة للوعي الثوري للإنسان الصحراوي ولم يكن ،فيما أعلم هدف ،لذاته ولكن من الطبيعي جدا , عصرنة هذا المجتمع من خلال هذه الممارسة الثورية العارمة التي كان هدفها تحرير الوطن من الهيمنة الإستعمارية،وأصبحت مفاهيم المقاومة، الحرية، والحقوق في آن واحد نتيجة للفعل الثوري،ووسيلة  للصيغة النضالية لهذا الفعل الثوري،بل على سبيل تحديد وفهم الشروط الأساسية لوقوع الثورة، لأنها لاتقوم برغبة الأطر ،ولكن بشروطها الملحة،كما لاتنجح إلا بالتنظيم الثوري،وأدواته الحقيقية،وليس من ضمنها التنظيمات المدنية، ولا المنظمات الليبرالية،  ونحن هنا ,لايمكن ان نكتفي بهذا الوصف أو التقسيم ومهما كانت صحته،فإننا نغييب العناصر الأساسية لقيام  الثورة،وحدوث التغير، فحينما لا نتتبع الأنشطة اليومية لأفراد المجتمع، في ارتباطها مع الفكر السائد , والفكر اليومي __ خصوصا في جزئه النقيض للفكر السائد __،في ممارسة نقدية، فإنه لا يمكننا ان ندعي وعيا علميا حقيقيا بالواقع .

حينما نتكلم عن (الربيع العربي)،والثورات العربية الحديثة ،فالعامل المشترك بينها هو غياب النظرية الثورية ,ولا نقصد بذلك غياب المنتوج الفكري اليومي،في وسائل التواصل والإعلام بمختلف أنواعها،ولكن نقصد به غياب نخبة حقيقية يطابق وعيها الذاتي الشروط التاريخية الملحة على التغيير،وفي اعتقادنا أن الوعي الحقيقي بالواقع الإجتماعي لا يكون إلا نخبويا،لأنه وللأسف ليس كل الناس يمتلكون آليات التحليل والنقض، وغياب هذا الوعي، وهذه النخبة, جعل الثورة  ناقصة و تقوم بنصف شروطها ،في الحقيقة الثورة تقوم على شرطين أساسيين:

الشرط الأول،هو الأزمة الإجتماعية،أي حينما يصل الواقع الاجتماعي الموضوعي إلى تناقض يعجز النظام القائم عن استيعابه، وهذا حدث في كل الدول العربية، وبدون استثناء،

والشرط الثاني لقيامها وجود نخبة من الأطر يطابق وعيها الذاتي هذه الشروط المتأزمة التي ذكرناها في الشرط الأول،وفي نفس الوقت تتخلص هذه النخبة من ضغط الواقع،أي من الضغوط الإقتصادية والإجتماعية، من أجل التفرغ والإهتمام بأمور الثورة،وتكون هذه النخبة  ،مهيكلة أو تتهيكل في تنظيم ثوري،لقيادة الجماهير،

وفي غياب هذه النخبة،وهذا التنظيم الثوري، تتقدم التنظيمات الانتهازية،او العسكر وتركب على نضال الجماهير لمصالحها الخاصة،وهذا ما فعلته أحزاب الإسلام السياسي في الدول العربية،الإخوان المسلمين في مصر،العدالة والتنمية في المغرب،النهضة في تونس،وحركات أكثر راديكالية وإرهابية مدعومة خارجيا، كجبهة النصرة في سوريا وتنظيم الدولة الإسلامية في العرق وغيرها،وكل هذه الأحزاب،والحركات الإسلامية، تشترك في عدم توفرها على برنامج إقتصادي سياسي ثوري، يقود نضالات الجماهير،ولذلك عمدة إلى المصالحة مع الأنظمة السابقة من خلال حكم الدولة العميقة بدل تغييرها.وبذلك انقلبت جل ثورات الربيع العربي إلى نقيضها، والتي لم تنقلب،شاع داخلها صراع القوى الداخلية كمظهر صراع الأجندات الأجنبية على أراضي هذه الدول، وعندما بدأت تخلف ضحايا تدخلت عليها الدول الإمبريالية،بذريعة مفهوم التدخل الإنساني كمفهوم جديد للهيمنة الكولونيالية، باعتبار أهداف هذه الدول في السيطرة،على الثروات  الطبيعية للشعوب المتمثلة في المعادن الإستراتيجية، ومصادر الطاقة وكلما كانت أرض الشعب المعني غنية بهذه المعادن ومصادر الطاقة, كلما كان التدخل في شأنه أعمق وأشد


في المقابل تحاول النيوليبرالية أن تطرح ما يسمى بالواقعية السياسية  في وجه مبادئ القانون ومفاهيم الحقوق والحريات، ويعنون بالواقعية السياسية تفاهم وتواطئ الدول خصوصا حينما تكون متصارعة ,تتفاهم حول إخفاء جريمة معينة أو مجرد السكوت عنها ،او عموما تتفاهم حول انتهاك مادة معينة من القانون الدولي ،وذلك لتطابق مصالحها في نفس القضية أو للحصول على مصلحة مقابل صمتها وتغاضينا عن جريمة أو اغتيال …….او الى اخرها ولعل ابسط مثال على ذلك كيف سكت ترامب, قضية عن قضية جمال خاشقجي مقابل ما يقول المراقبون أنه 1000 مليون دولار من النظام السعودي ، أو سكوت النظام التركي عن نفس الجريمة ،

إذن ما هي الواقعية السياسية إذا لم تكن السكوت عن الظالم والتواطؤ مع الظلم ،الواقعية السياسية ،والتدخل بذريعة حقوق الإنسان والتدخل على الأمم المتحدة نفسها من خلال تجميد الالتزامات المالية المخصصة لها أو من خلال ممارسة الإمتيازات اللا ديمقراطية التي تنعم بها الدول المهيمنة كحق الفيتو،وهو ما يلغي أهم مبادئ الأمم المتحدة،في المساواة بين الشعوب كبيرها وصغيرها،، وكذلك مفاهيم التنمية المستدامة،وحرية التجارة العالمية هي كلها مفاهيم جديدة للهيمنة يتم في ظلها تغييب حقيقة  نهب  ثروات الشعوب وانتهاك حقها في السيادة


مفهوم الواقعية السياسية هذا هو ما يتكلم  به  المسؤولين المغاربة وهو ما أفشل عمل الأمم المتحدة وشل دورها في إيجاد حل في قضية الصحراء الغربية ولعل الكلام عن حل, دائم, واقعي, متفق عليه , ويحفظ للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير , لا يكون إلا حلا خياليا لأن تطبيق اللائحة 1514 لا يمكن ان يضاف الى مضمونه أو ينقص منه شيئا والا اصبح غير قانوني ،وأصبح مبدأ مغاير لمبدأ حق الشعوب الغير قابل للتصرف في تقرير مصيرها, وفي الاستقلال، يعني يصبح مفهوما بدون تعريف قانون ،ولا يمكن تطبيقه أما الحل الواقعي فالمقصود منه هو الحل الظالم أي تشريع الاحتلال بمنطق القوة


.

اعتمدت شعوب كل هذه على منظمات المجتمع المدني, والأحزاب الإصلاحية ,في غياب التنظيم الثوري الحقيقي التنظيم الثوري مما سهل اختراقها من طرف دول الهيمنة الإمبريالية

الحل الواقعي،يعني التصرف في حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفي الإستقلال، وهو انتهاك لروح القانون الدولي


منظمات المجتمع المدني وطنية،كانت أو دولية حقوقية كانت او كانت ،تنموية،او في احدى؟المحاور الإجتماعية السبعة والثلاثين،فإننا نولي اهتماما كبيرا لمشاركتها في البنيات الأساسية، أي الإقتصادية والسياسية والإيديولوجية , في الدول الديمقراطية المستقلة، يعنينا بالأساس،الفهم السوسيولوجي لهذه المنظمات،ودورها في التعبير عن مصالح من تمثلهم داخل المجتمع،ــــ  لأن المجتمع هو الكل المتناقض ــــ

ولكن الإشكالية المطروحة، ما علاقتها بفكر التغيير أي النظرية الثورية؟؟،ما علاقتها بالفكر السائد؟؟، وما هي وظائفها الإيديولوجية،

ليس من البسيط توفير الأدوات الفكرية، للإجابة عن هذه الأسئلة،إلا أنه في نفس الوقت ليس من المستحيل توفيرها،خصوصا إذا انطلقنا، من تحليل علمي للظاهرة الاجتماعية،محددة في الحقبة التاريخية التي نعيشها، وأول ملاحظة بسيطة يمكننا ملاحظتها،هي أن الوعي كجوهر لكل مصادر المعرفة،ليس مجرد تعبير نوعي يعكس الحركة العامة للمجتمع،وليس شامل ،ولا شمولي،وإنما لكل طبقة من طبقات المجتمع وعيها الخاص بها،يحدد مصالحها،ويتحدد بها وهنا تكمن الوظائف الإيديولوجية للوعي،وما نراه وعيا شموليا ومعبرا عن الحركة العامة   للمجتمع  ، إنما هو الوعي السائد ـــ من السيادة ــــ وهذه الرؤية تتلاشى طبعا وتتحول إلى سراب ،حينما نقوم ببحث علمي سوسيولوجي  دقيق نفهم من خلاله تناقضات هذا المجتمع والصراع داخله

لهذا تكون منظمات المجتمع المدني الليبرالية غير ذات جدوى ولا قيمة في الفعل الثوري التغييري، بل ليس لها مكان في التنظيم الثوري المتجانس و تعتبر تحريفية للفكر الثوري باعتبار وظائفها الإيديولوجية وسقف نضالها الإصلاحي,

إن القانون المنظم لعمل منظمات المجتمع المدني،هو القانون الدولي لحقوق الإنسان،وكل الدول الموقعة التزامات القانون الدولي لحقوق الإنسان ، تقوم بتكييف دساتيرها وقوانينها مع هذا القانون ويصبح هذا القانون مؤطرا هذا القانون نفسه طوعت الدول المهيمنة مبادئه  ومفاهيمه, حتى جعلت منه  تعبيرا سياسيا عن مصالح الدول المهيمنة على منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها إلى سنة 1991 بشكل نسبي ومنذ  سنة 1991 إلى اليوم بشكل مطلق تقريبا باعتبارها دول منتصرة في الحرب الباردة، ووضعت شروط المنتصر على شكل مفاهيم حقوقية، وأجندات اقتصادية ،ولعل مفهوم التدخل الإنساني كمفهوم للهيمنة والاحتلال هو أوضح مثال على وظيفة هذه المفاهيم،و حتى داخل الدول الديمقراطية المستقلة المتقدمة والتي ضمنت نوعا من الرفاه النسبي لشعوبها عن طريق نهب ثروات الشعوب الفقيرة, تعتبر المنظمات الغير حكومية أدوات لتحسين تطبيق هذا القانون،ولا تنتقده ولا تتجاوز سقفه وحينما نراقب عمل منظمات المجتمع المدني نجده ،مسقف ،ومحدود؛ ولا يتجاوز دعم النظام القائم وتقويته، ومده بالحلول في حالة الأزمات،بينما تعتبر النظرية الثورية، التي ترى حقوق الإنسان من وجهة نظر نقدية، تقدمية تحررية،وبمفاهيم بديلة لمفاهيم الهيمنة إلغاء لمفاهيم حقوق الإنسان الليبرالية وبحثا عن مفاهيم    للعدالة،تتجاوز مفهوم الديمقراطية الذي يكرس سيطرة، المهيمنين على المجتمع، إن الحاجة إلى الديمقراطية، هي من اجل الحفاظ على النظام الإنتاجي القائم ،وجوهر الظلم في علاقات الإنتاج المجتمعي،ورغم أنه نظام احسن بكثير، من نظام العبودية، والإقطاعية،والرأسمالية، قبل ظهور العمل النقابي،وهنا يكمن الفصل بين النقابي والسياسي،وبين الحقوقي والسياسي،إذن منظمات المجتمع المدني،او الجمعيات هي،أداة لتحسين الوظيفة الإيديولوجية للفكر المسيطر في تكريس الواقع من خلال تلطيف الصراع، والحفاظ، على جوهر الظلم في هذا الصراع،وليس القضاء عليه ولذلك لا يمكنها ان تحل محل التنظيمات الثورية التي تنشد التغيير الجدري او التحرير

قبل أن نستنتج خلاصات مبنية على تأملات فكرية, وعقلانية زائفة,  لا تلامس الواقع تعتمد في أغلبها على استدلالات عقلانية مجردة لا تلامس الواقع،علينا ان ننطلق من نشاطنا اليومي وان نعترف ان استشهاد الشهيد الولي،غيب لدينا النظرية الثورية و التوجه الإيديولوجي الصارم، وتضافر هذا مع  عوامل  الشروط الموضوعية, المتمثلة في  في تقهقر المد الثوري، وكذلك استشهاد بعض رفاق الولي رحمة الله عليهم قد أثر على إنتاج نظريتنا الثورية الخاصة بنا ،واربك خطابنا السياسي،وقد لا يحب الكثيرون او لا يفهمون اننا عشنا هذه السنوات الطويلة بدون نظرية ثورية رائدة، فقط لأنهم انفسهم لا يدركون ان الشهيد ورفاقه تركوا البطاريات معبأة والمردود النضالي مرتفعا،ونحن اليوم مدعوون لتعبئتها من جديد،من خلال مراجعة شاملة،نسترجع من خلالها الأدوات الحقيقية للتنظيم الثوري كالفروع والخلايا،وإسقاط من التنظيم الثوري ما ليس منه، بدون اسقاط مكونه البشري أي نسترجع المصباح

,أن أي شعب يريد الحرية عليه أن يضحي،وأن يعتمد كل الخيارات الممكنة للمقاومة،وليس طبعا من ضمنها العمل النقابي ولا الحقوقي(يتبع ان شاء الله)

رحم الله الشهداء الأبرار وكل الوطن او الشهادة

بقلم حسان ميليد علي ،(بوليساريو)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *