صهينة المغرب.. تشويه المشوّه في لعبة تركيب المسخ الثلاثي
في محاكاة مشوّهة للأنموذج الإسرائيلي، قدّم نظام المخزن نفسه كيانا متهاونا في سيادته، مستعداً لتحويل المملكة إلى أداة تروّج لمصالح الغرب -كما فعلت أوكرانيا ولو بطريقة مختلفة- بل إن السلطات المغربية تجاوزت الدور المنوط بها، حيث سعت بوضوح إلى التماهي مع (إسرائيل) والتشبّه بها في جوانب عدّة، ماحوّلها فعلياً إلى مجرّد كيان تابع لكيان آخر، فاقد للمصداقية. فلا أحد في الغرب يمكنه الوثوق بنظام مخزني مخادع، يفتح أبوابه لمن يدفع أكثر، مثل شركة تجنّد المرتزقة أو تقدّم خدمات سرّية يتكبّد المغرب عواقبها، بل ويقوم بأعمال تخجل حتى الدول الغربية من القيام بها.
منذ زرعها في المنطقة، لم تكن (إسرائيل) مجرّد كيان، بل كانت في الواقع قاعدة عسكرية أنشأها الاستعمار البريطاني لتكون جزءًا من مشاريعه التوسعية في العالم العربي. وبعد ذلك، انتقلت مسؤولية هذه القاعدة إلى الولايات المتحدة، لتصبح الذراع الأقوى للغرب في تحقيق مصالحه الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
ولم يكن الكيان الصهيوني هو الذي بادر باحتلال فلسطين عام 1948 أو شنّ الحروب الكبرى -مثل العدوان الثلاثي في 1956 أو حرب الأيام الستة في 1967 أو حتى حرب أكتوبر 1973- بل كان يعمل دائمًا كأداة مركزية بيد القوى الغربية، تنفّذ عبرها خطط السيطرة على المنطقة وتمزيق النسيج العربي.
إن الجرائم والانتهاكات المستمرّة التي تُمارس ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية تعكس بوضوح الدور الوظيفي الذي أُسند إلى (إسرائيل) منذ زرعها بالمنطقة. فهذه الأفعال العدائية لم تكن نتاجًا لخيارات أو قرارات مستقلّة، بل هي نتيجة مباشرة لتوجيهات ورغبات القوى الاستعمارية الكبرى.
هدف هذه الجرائم لم يكن مجرّد احتلال الأرض، بل كان يهدف إلى تدمير الروح الوطنية وتفكيك البنية الاجتماعية والسياسية للدول العربية المجاورة. ومن هذا المنطلق، فإن كل عملية عسكرية أو هجوم على المدنيين الفلسطينيين أو العرب يعكس الارتباط الوثيق بين الكيان الصهيوني والمصالح الاستعمارية الغربية، حيث يُستخدم هذا الكيان كأداة قمع وردع ضد الشعوب العربية والإسلامية، لضمان استمرار الهيمنة الغربية على المنطقة ولضمان تبعيتها للقوى الكبرى.
وبعد فشل الغرب في ترسيخ الورم الصهيوني المسمى “إسرائيل” في جسد المنطقة العربية وتحويله إلى دولة طبيعية، ظلت “إسرائيل” كيانًا احتلاليًا غير متجذّر في المنطقة. وفي هذا السياق، شرع الغرب في إعادة تقييم استراتيجياته. واستجابةً للتحديات المتزايدة، لجأ إلى تأسيس جماعات مسلحة لتقوم بالقتال بدلاً عنه، آملاً أن تتحوّل هذه الجماعات إلى دول، كما حدث مع المجاهدين الأفغان الذين انتهوا بانقلابهم على الغرب نفسه.
اتبعت القوى الغربية الأسلوب نفسه مع تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، وغيرهما من الجماعات، حيث تم استغلال هذه التنظيمات لإشعال الفتن في العراق وسوريا وليبيا. غير أن هذه المحاولات مكّنت من إفشاء الفوضى في تلك البلدان، لكن، باءت بالفشل بالنسبة إلى الغرب، إذ أصبحت هذه الجماعات خارجة عن السيطرة أو على وشك أن تخرج عن سيطرة الغرب.
في السنوات الأخيرة، قام الغرب بتطوير استراتيجيته إلى نمط جديد، حيث لم يعد يسعى فقط إلى تحويل الكيانات إلى دول، بل بدأ في تحويل دول قائمة إلى كيانات وظيفية تخدم مصالحه. ويتجلّى ذلك حاليًا في دعم الولايات المتحدة الواسع لأوكرانيا في مواجهة روسيا، فقد أعادت واشنطن تفعيل آلية رمزية تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية، وهي قانون “ليند ليز” الذي أصدره الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت في عام 1941 لدعم أوروبا في مواجهة هتلر.
في سياق هذا التحوّل الاستراتيجي، بدأ النظام المغربي يقدّم نفسه في صورة كيان مستعد للتخلّي عن سيادته، محوّلًا المملكة إلى أداة لتنفيذ مصالح الغرب، كما تفعل كلّ من أوكرانيا و(إسرائيل). بل إن النظام المغربي تجاوز الدور المطلوب منه، حين سعى بشكل واضح إلى التماهي مع (إسرائيل) والتشبّه بها في العديد من الجوانب.
هذا السلوك جعل المغرب يبدو وكأنه –أو ربما أصبح فعلياً– مجرّد كيان تابع لكيان آخر، فاقداً للمصداقية، فلا أحد في الغرب يمكنه الوثوق بنظام مغربي مخادع، متاح لمن يدفع أكثر، مثل شركة تجنّد المرتزقة أو تؤمّن خدمات سرية يتحمل عواقبها المغرب بالإضافة إلى القيام بأعمال تخجل دول الغرب –بل حتى جماعات المافيا- من القيام بها.
منذ توقيع معاهدة الحماية الفرنسية عام 1912، ظل المغرب تحت النفوذ الفرنسي رغم استقلاله الشكلي في 1956. وخلال هذه الفترة، أصبح المغرب أداة تخدم المصالح الغربية، حيث حافظ النظام الملكي على استقراره مقابل الدعم الاقتصادي من الغرب. ولعب المغرب دورًا رئيسيًا في حماية المصالح الغربية بالمنطقة، إذ تحوّل إلى قاعدة عسكرية واستخباراتية تدعم الاستعمار وتسهم في توسيع مشاريع التطبيع مع (إسرائيل) في إفريقيا.
إنشاء قواعد عسكرية تستخدمها القوات الأمريكية والإسرائيلية أضرّ بأمن جيرانه، خاصة الجزائر، كما عمّق المغرب ولاءه الكامل بالغرب من خلال قطع علاقاته مع إيران، ودعمه لأوكرانيا، وإقامة علاقة تحالف علنية مع (إسرائيل). ونتيجة لذلك، تعثرت جهود التكامل المغاربي، بينما غضّت القوى الغربية الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب. وفي الوقت نفسه، استغل النظام المغربي قضايا المخدرات والهجرة غير الشرعية لتعزيز دوره الخياني، مع استمرار احتلاله للصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا.
لكن دور المغرب لم يقتصر على خدمة المصالح الغربية فقط، بل تعمق ليصبح أكثر اندماجا مع (إسرائيل)، وأحيانًا على حساب الغرب نفسه، إذ باتت (إسرائيل) -تحت قيادة رئيس سلطة الكيان بنيامين نتنياهو- تظهر تمرّدا متزايدا عن واشنطن، مما يشير إلى احتمال تحولها إلى تهديد للولايات المتحدة، خصوصًا في ظل الصراع السياسي المحتدم في الانتخابات الأمريكية.
فبينما يراهن الجمهوريون، بقيادة دونالد ترامب، على تقديم دعم أكبر لـ(إسرائيل)، يواجه الديمقراطيون تعقيدًا في موقفهم نتيجة تورّطهم في حرب الإبادة في غزة، ما يجعل موقفهم أكثر حرجًا على الساحة الدولية.
“إسرائيل” أوروبا الشرقية
وعلى هذا المنوال، يرى محللون أن أوكرانيا تلعب دورًا مشابهًا لدور (إسرائيل) في خدمة المصالح الغربية، حيث تحولت إلى “(إسرائيل) أوروبا الشرقية”، ما جعلها أداة لمواجهة روسيا وتهديد الاتحاد الأوروبي. ويسعى نظام كييف إلى تقديم نفسه خادما للمصالح الأمريكية على النمط الإسرائيلي، رغم الاختلافات الثقافية والتاريخية بين أوكرانيا و(إسرائيل).
وفي هذا الإطار، تم تطهير المعارضة السياسية، مما يعكس رغبة كييف في إنشاء نظام موالٍ تمامًا للولايات المتحدة، وهكذا كسبت أوكرانيا رضا الغرب على حساب نفسها، إذ تحولت اليوم إلى ساحة صراع بين الغرب وروسيا.
وبالمثل، حقق النظام المغربي استمراريته الخادعة لكنه خسر دعم شعبه، كما فقد ارتباطه بالقارة الإفريقية والأمة العربية. وليس من المستبعد أن يتحول المغرب مستقبلاً، أو ربما يكون قد تحول بالفعل، إلى سوق يخضع لمن يدفع أكثر. وبذلك، أصبح يشكل تهديداً للجميع، بما في ذلك داعموه من بعض العواصم الغربية.
يسعى المغرب من خلال سياسته الحالية إلى تحقيق تطبيع شامل مع الكيان الصهيوني في جميع المجالات، بما في ذلك العسكرية والأمنية والاقتصادية. ويعكس هذا النهج تبني المغرب لمفاهيم مشابهة لما يروج له الاحتلال الإسرائيلي، مثل “الحكم الذاتي” الذي يطرحه المغرب على الصحراويين. كما قام المغرب ببناء جدار عازل في الأراضي الصحراوية، مماثل للجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية، مما يعزز فكرة تبادل الأدوار بين الكيانين.
تظهر العقيدة السياسية للنظام المغربي ولاءً خارجيًا لا حدود له، حيث يعتبر المغرب الطرف الأكثر حماسًا للتطبيع الاندماجي العلني مع (إسرائيل). ويؤدي هذا الانخراط إلى عزل المغرب جغرافيًا وداخليًا، ويثير تساؤلات حول مستقبل المملكة في ظل الانتهاكات المستمرة لمصالح شعبها.
قراءة في الوضع الراهن..
هل انتهى عهد السيادة في المغرب؟
بقلم: الدكتور حنافي حاج – أكاديمي وخبير قانوني
يعتبر مبدأ سيادة الدولة من أهم المبادئ القانونية التي تحدّد هوية الدولة في النظام الدولي الحديث. ويقوم هذا المبدأ على ثلاثة أركان رئيسية: الإقليم، الشعب، والسلطة، وكل ركن من هذه الأركان يمثل كيانًا متميزًا يلعب دورًا حاسمًا في تحديد العلاقات الدولية. كما يتضمن المبدأ أيضًا جوانب من المساواة في السيادة بين الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والاحترام المتبادل، مما يساهم في بناء علاقات دولية قائمة على التعاون والتفاهم.
الدكتور حنافي حاج يحلل الوضع الراهن في المغرب، مشيرًا إلى غياب هذه المبادئ في سياق سياسة نظام المخزن. ويظهر ذلك من خلال إلغاء سيادة الدولة المغربية، وخاصة فيما يتعلق بإقليمي سبتة ومليلية، اللذين لا يزالان تحت السيطرة الإسبانية. هذا الانهيار السيادي يشير إلى وجود إكراهات داخلية، سواء كانت اقتصادية أو أخلاقية، تعكس توجه الدولة المغربية نحو الاعتماد على مصادر غير مشروعة لتعزيز مداخيلها.
في هذا السياق، يشير الدكتور حاج –في تصريح خصّ به “الأيام نيوز”- إلى أن المغرب يُعتبر الأول عربيًا وإفريقيًا والثالث عالميًا في إنتاج القنب الهندي، بالإضافة إلى كونه وجهة للسياحة الجنسية. هذه الظواهر تعكس أزمة عميقة في القيم والأخلاقيات، ما يضعف من شرعية الحكومة ويؤثر على صورتها أمام المجتمع الدولي.
فقدان الشرعية والفعالية
يؤكد الدكتور حاج أن المخزن المغربي فقد شرعيته كأداة حكم، ويعمل على إيجاد أي نوع من الفعالية بعد فقدان بوصلته الدبلوماسية. ويظهر هذا من خلال محاولاته المتكررة لتبرير التطبيع مع (إسرائيل)، حيث يسعى إلى إقناع الرأي العام الداخلي بأنه مضطر لذلك من أجل تحقيق أهداف توسعية تتعلق بالصحراء الغربية.
يتناول الدكتور حاج أيضًا التحالفات الدبلوماسية، مشيرًا إلى أن هناك عمليات دبلوماسية قيصرية يقوم بها المغرب، خاصة عبر تحالفه مع الإمارات العربية المتحدة. تهدف هذه التحالفات إلى اختراق قرارات الاتحاد الإفريقي، من خلال إيجاد موضع قدم صهيوني ليكون عضوا ملاحظا. وهذا يُعتبر انتهاكًا للنصوص الأساسية للاتحاد، كما أن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي يخالف روح تلك النصوص، مما يعكس التناقض بين الممارسات السياسية والإرادة الجماعية للشعوب الإفريقية.
في ختام تصريحاته لـ”الأيام نيوز”، يطرح الدكتور حنافي حاج تساؤلًا محوريًا: من سيدفع ثمن هذا التعاون غير المتكافئ بين المغرب و(إسرائيل)؟ إن ما يحدث يشير إلى أزمة عميقة تتطلب مراجعة حقيقية لسياسات المغرب وموقفه الإقليمي والدولي، في ظل التحديات المتزايدة التي قد تؤثر على استقراره وشرعيته.
هكذا تحوّل “المغرب” إلى بؤرة فساد وإفساد..
كيان يحتّله كيان
يُعتبر الدكتور مولاي بومجوط، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن المغرب ليس سوى كيان وظيفي يخدم مصالح قوى أخرى. ويستند إلى المعطيات التاريخية التي تثبت أن المغرب ذو نشأة استعمارية، حيث حددت قوى خارجية ظروف نشأته منذ تأسيسه على يد الجنرال “الليوطي”. وقد فُرضت عليه أدوار عدة تتعلق بوجوده، وأسندت له وظائف معينة من قبل الفرنسيين في ذلك الوقت. كما تم تأهيله ليكون دولة وظيفية في المنطقة بالتعاون مع قوى غربية مثل إسبانيا.
وأبرز بومجوط، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن تسمية “المغرب” في حد ذاتها تحمل دلالة توسعية، إذ أن اسمه الحقيقي في الخرائط والمؤسسات الدولية هو “موروكو” أو (le maroc)، وهو اسم يعود لمملكة مراكش التي تم تأهيلها لأداء هذا الدور الوظيفي. وقد أضيفت إليها أراضٍ لا تتضمنها حدود ما يُعرف اليوم بـ”المغرب”، مثل أراضي الريف التي كانت دولة مستقلة وقاد فيها عبد الكريم الخطابي ثورة مسلحة.
هذا، بالإضافة إلى احتلال أراضي الصحراء الغربية وأراضٍ تمتد إلى واد ملوية ووجدة وإقليم بركان، والتي كانت تُعتبر أراضي جزائرية قبل أن تقتطعها فرنسا لصالح المغرب. ولا يزال هذا الهدف التوسعي قائمًا، كما تؤكده الخريطة التي يروج لها نظام المخزن، والتي تشمل مناطق تمتد إلى شمال السنغال وجزء من مالي وموريتانيا، وكذلك جزء من الجزائر، ويُطلق عليها “المغرب الكبرى”.
“الفكر التوسعي”.. إرث استعماري
وأشار المتحدث نفسه إلى أن الدستور المغربي يُعتبر الدستور الوحيد في العالم الذي لا يُحدد حدود الدولة، حيث جاء في دستور 2011 أن “الملك حامي المملكة على حدودها الحقة” دون الاعتراف بالحدود الحالية، مما يعكس طبيعة المغرب التوسعية. وأوضح بومجوط قائلاً: “هذا هو الفكر التوسعي الذي غرسه المستعمر في عقول قادة مملكة مراكش، ليصبح المغرب دولة وظيفية بامتياز. وقد مُنحت له، بخبث، الأراضي الصحراوية عبر إسبانيا، تحت مسمى الإدارة المؤقتة، وهي فكرة غربية مرتبطة بالاحتفاظ بشمال المغرب من قبل إسبانيا، وجزء إفريقيا من جبل طارق الذي يعد تاريخيًا من أراضي المغرب الأقصى. كل هذه المعطيات جعلت المغرب يؤدي اليوم المهام المسندة إليه، من تطبيع وعمل لصالح الكيان الغربي”.
وفيما يتعلق بسعي المغرب للتقارب مع “إسرائيل” والتماثل معها في جوانب عدة، أوضح المتحدث أن دعم المغرب للكيان الصهيوني ليس أمرًا جديدًا، بل يعود إلى سنوات 1961-1962. فقد ساعد الصهاينة الملك الحسن الثاني في الوصول إلى الحكم، حيث أسهموا في التخلص من الجنرالات المعارضين، وعلى رأسهم الجنرال أوفقير.
كما أن المهدي بن بركة، الذي اغتيل في باريس، كان ضحية تآمر بين المخابرات الفرنسية والإسرائيلية (“الموساد”). وتجلت العلاقة في العديد من اللقاءات التشاورية بين الكيان الصهيوني والمغرب، مما أدى إلى فتح مكتب للموساد في المغرب عام 1964، ليكون الأول من نوعه في بلد إفريقي والأول أيضًا بين الدول العربية.
ثم شهدت العلاقات تطورًا ملحوظًا، ففي عام 1965، أُعطي “الموساد” الضوء الأخضر للتجسس على مؤتمر القمة العربية الذي عُقد في الرباط، حيث تمكن من تسجيل جميع المداولات والنقاشات، بما فيها السرية، وهو ما اعترف به قيادات الموساد أنفسهم، ومن بينهم “شمعون بيريز”.
واستمرت هذه العلاقات في التطور، حيث لعب المغرب دورًا محوريًا في هندسة اتفاقية “كامب ديفيد” من خلال استضافة رئيس الوزراء المصري حسن التهامي ورئيس وزراء سلطة الكيان الإسرائيلي، حيث تمت المشاورات هناك والتي أدت إلى الاتفاق. وفي عام 1986، قام “شمعون بيريز” بأول زيارة له لدولة عربية وهي المغرب، بينما زار “إسحاق رابين” المغرب مباشرة بعد توقيع اتفاقية أوسلو في الولايات المتحدة قبل العودة إلى “إسرائيل”.
هذا هو الحاكم الفعلي للمملكة!
كما لفت المتحدث ذاته، إلى أن الملك الحسن الثاني ساهم في تهجير مئة ألف يهودي مغربي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، والآن أصبحوا في حدود المليون “إسرائيلي”، وكذا معظم الوزراء الصهاينة الآن هم من أصل مغربي، بالإضافة إلى أن مستشارين الملك الحالي “محمد السادس” معظمهم من اليهود وعلى رأسهم “أندري أزولاي” المستشار المقرب إلى الملك المغربي والذي يعتبر الحاكم الفعلي للمملكة.
وهكذا أصبحت هناك علاقات وطيدة جدا بين المغرب والكيان الصهيوني –يقول بومجوط- إلى درجة أنه في الذكرى الـ91 لميلاد الحسن الثاني أُقيم نصب لتخليد ذكراه في مدينة “بتاح تيكفا” كما أطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسة في بلدة “كريات عكرون” في وسط الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعند وفاته أصدرت “إسرائيل” طابعا بريديا يحمل صورته كُتب عليه بالعربية: “صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني ملك المغرب”، وبالتالي، مظاهر التكريم هذه لم تأتِي من فراغ بل جاءت تثمينا لجهوده وتقديرا لما قدمه للكيان الصهيوني وما قدّمه الحسن الثاني للاحتلال من خدمات يصعب حصره، ويدل على أن المغرب كان مخطِطا استراتيجيا وحلقة ربط أساسية اعتمد عليها الكيان الصهيوني.
مجرد قاعدة “إسرائيلية” في المنطقة
وأكد الأكاديمي ذاته أن المملكة المغربية تحولت اليوم إلى قاعدة “إسرائيلية” في المنطقة، حيث أصبحت تتصرف مثل كيان محتَل من قِبل كيان آخر. ورغم أن هذا الاحتلال ليس علنيًا، فإن القرارات المغربية باتت تُتخذ في (تل أبيب).
تظهر العديد من المعطيات هذا التوجه، منها مشاركة 5000 جندي مغربي في الحرب الجارية في غزة، بالإضافة إلى توريد أسلحة، والسفينة التي رست في ميناء طنجة بعد أن رفضت إسبانيا دخولها نظرًا لحملها أسلحة ومتفجرات لصالح الكيان الصهيوني، بهدف القضاء على الفلسطينيين العزل.
كما تشير المحاولات المغربية لإنقاذ الاقتصاد “الإسرائيلي” من خلال شراء أقمار صناعية بمليار دولار إلى عمق العلاقة. بالإضافة إلى ذلك، سنّت السلطات المغربية قانونًا يسمح باسترجاع اليهود المغاربة لممتلكاتهم، حيث أصدرت محاكم مغربية عدة أوامر بطرد مغاربة من بيوتهم وأراضيهم الزراعية تحت ذريعة إرجاعها لأصحابها اليهود. وأيضًا، وُضعت رادارات تجسسية على طول الحدود الجزائرية، كما قام وزير خارجية الكيان الصهيوني بتهديد الجزائر من داخل المغرب، مما يُعتبر سابقة خطيرة جدًا.
واسترسل يقول: “هذه استراتيجيات وأحداث متتالية تؤكد أن المغرب أصبح دولة وظيفية بامتياز، يتمثل دورها في محاولة التطويق الاستراتيجي للجزائر، بعد أن تحولت إلى قاعدة تجسسية كبيرة، سواء لصالح الغرب أو لصالح الكيان الصهيوني. فقد تم إنشاء قاعدة “إسرائيلية” للطائرات بدون طيار في المملكة، إضافة إلى قاعدة عسكرية أمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح المغرب يشكل تهديدًا أمنياً واستراتيجياً وعسكرياً للجزائر وكل الدول الجوار. ناهيك عن دوره في الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، حيث يُعتبر المنتج الأول على المستوى الدولي للقنب الهندي. وهذه جميعها دلائل على الدور السلبي الذي يلعبه المغرب في المنطقة”، هذا دون نسيان التجارة الجنسية الرائجة والتي يعتمد عليها في مداخيله بما في ذلك تجارة “البيدوفيليا” (الجنس مع الأطفال والقصر) والمثلية.
لاعب وظيفي على المستوى الإقليمي
وفي ختام حديثه مع “الأيام نيوز”، اعتبر الدكتور مولاي بومجوط أن المغرب أصبح بؤرة فساد متعددة الأركان، مما دفع الشباب المغربي إلى الهجرة إلى أوروبا. خير دليل على ذلك هو محاولة الهجرة الجماعية الأخيرة، نتيجة الظروف السيئة التي يعيشها المغاربة. كما أشار إلى تورط المغرب في دسائس خطيرة وعمليات دنيئة، مثل محاولة رشوة أعضاء في البرلمان الأوروبي والبرلمان الدولي، بالإضافة إلى سياسيين أفارقة ورؤساء دول. كل هذا يأتي في إطار استراتيجية الاحتفاظ بالأراضي الصحراوية التي يحتلها المغرب، إلى جانب تورطه في التجسس على قادة أوروبيين.
هذا ما دفع “بيدرو سانشيز”، رئيس الوزراء الإسباني، إلى الاعتراف بمغربية الصحراء المزعومة أو بالحل الثالث، على غرار فرنسا وقرارها الأخير. وتأتي هذه الاعترافات – يؤكد مولاي بومجوط- نتيجة لخطورة العمل التجسسي الذي قام به المغرب بالتعاون مع الكيان الصهيوني، كما يتضح من فضيحة “بيغاسوس”. كل هذه الأمور وغيرها تجعل المغرب لاعبًا وظيفيًا بامتياز على المستوى الإقليمي والإفريقي والمغرب العربي.
أوجه التشابه بين الكيانين المخزني والصهيوني.. من جدار الفصل إلى جدار العزل
يرى البروفيسور إدريس عطية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الجيوسياسية بجامعة الجزائر، أن نظام المخزن قد حول المملكة المغربية من مشروع دولة وطنية ذات سيادة إلى كيان وظيفي يخدم الاستراتيجيات الصهيونية والغربية، خاصة تلك المتعلقة بفرنسا وغيرها من القوى الدولية. هذا التحول، بحسب عطية، يعكس انحدارًا حقيقيًا في دور المغرب السياسي والدبلوماسي، حيث أصبح أداة تلعب دور الوسيط لخدمة مصالح دول أخرى، بدلاً من التركيز على بناء سياسة مستقلة تعزز مصالحه الوطنية.
في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أوضح البروفيسور إدريس عطية أن المغرب بات يمثل مصالح القوى الغربية والصهيونية في المنطقة بصورة كاملة، حيث يسعى جاهداً – من خلال أطر دولية أو فوق إقليمية – إلى تجسيد مصالح هذه الدول في القارة الإفريقية. وهذا ما يتجلى في محاولاته المستميتة لتأمين موطئ قدم للكيان الصهيوني داخل الاتحاد الإفريقي وعلى مستوى القارة ككل.
ويشير إدريس عطية إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، يروج المغرب بشكل خبيث لمفهوم “الديانة الإبراهيمية” وغيرها من الأفكار التي تصب في مصلحة المخططات الصهيونية، وتلحق أضرارا كبير بالسلم والاستقرار في المنطقة. علاوة على ذلك، يتولى المغرب أدواراً وظيفية أخرى لصالح هذه القوى، ويقوم بها بأقصى درجات التواضع والتنازل، مما يعزز موقعه كأداة تنفذ أجندات خارجية.
وفي السياق، لفت محدثنا، إلى أن إمعان المخزن في التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى جانب انتهاجه لمسار تنازلي مع الغرب، جعل هؤلاء يرون المملكة المغربية على أنها مجرد نقطة ارتكاز لتحقيق مصالحهم، وخير مثال على ذلك التنازلات الخطيرة التي قدمتها الرباط في سبيل موافقة هذه الدول على أطروحاته بخصوص الصحراء الغربية، من أجل الحصول على اعتراف بـ”سيادته” المزعومة على الأراضي الصحراوية، وعلى حساب الشعب الصحراوي.
أما على مستوى المفاهيم، أكد البروفيسور إدريس عطية، أن المغرب أصبح فاقدا لأي مشروع وطني حقيقي قابل للتطبيق، ولا يمكنه مواجهة ومجابهة الشارع المغربي بمشاريع وطنية فعلية أو برؤية استراتيجية تستطيع أن تحشد وتوجه الرأي العام في المملكة، بل أصبح يمارس سياسة الهروب إلى الأمام على حساب معاناة الشعب المغربي، وأيضا على حساب الحقوق الخاصة بالشعب الصحراوي وعلى رأسها حق تقرير المصير، في إطار مسيرة سوداء تنتهجها سلطة المخزن.
هل يسير المغرب إلى عزلة إقليمية تامة؟
وفي هذا الصدد، يرى إدريس عطية أن المغرب يسعى من خلال هذا النهج إلى تطبيع شامل مع الكيان الصهيوني في مختلف المجالات، بما فيها العسكرية، الأمنية، الاستخباراتية، السياسية، الاقتصادية، الرياضية، وحتى الدينية والعقائدية. بل يتجاوز الأمر ذلك، حيث بات يتبنى التصورات نفسها التي يروج لها الكيان الصهيوني. على سبيل المثال، مفهوم “الحكم الذاتي” الذي اقترحه الاحتلال على الفلسطينيين أصبح المغرب يطرحه اليوم على الصحراويين، في إطار النزعة التوسعية والسردية ذاتها، ضمن منطق التلاعب بالخرائط والجغرافيا الذي يروج له الكيان الصهيوني تحت مظلة ما يُسمى “(إسرائيل) الكبرى”، وهو ذات النهج الذي يتبعه المغرب من خلال أحلامه الزائفة بمسمى “الحق التاريخي”.
وتابع محدثنا قائلاً: “بالإضافة إلى الجدار العازل أو ما يسمى بـ”جدار الفصل العنصري” الذي أقامته (إسرائيل) لتطويق وعزل الضفة الغربية عن الداخل الفلسطيني، نجد أن المخزن المغربي قام بالشيء نفسه وهو بناء جدار عازل في الأراضي الصحراوية، بهدف إقصاء الصحراويين، وهذا التشابه في الإجراءات السياسية والسرديات التاريخية يعزز فكرة تبادل الأدوار بين الكيانين، وهو ما يدفعهما –يضيف البروفيسور- إلى إنشاء نوع من التحالف الهش، خاصة أن نظام المخزن يجد نفسه في مأزق سياسي كبير نتيجة إمعانه في التطبيع وتجاوزه لكل الخطوط الحمراء في علاقاته مع الكيان الصهيوني المحتل، من خلال إبرام اتفاقيات والدخول في تحالفات خطيرة تهدد مستقبل المملكة والمنطقة بأسرها، وسط رفض شعبي واسع”.
وحول العقيدة السياسية لسلطة المخزن، أوضح البروفيسور عطية، أنها عقيدة قائمة على الولاء الخارجي والعمل على ضمان مصالح دول أخرى، ناهيك عن التبعية المطلقة للكيان الصهيوني، وهو ما برز جلياً في إطار “اتفاقية أبراهام” إذ كان المغرب هو الطرف الأكثر تحمسا للتطبيع العلني والصارخ والصريح مع الكيان الصهيوني على حساب المغرب العربي وعلى حساب المنطقة ككل، وبالتالي هذه المقاربة الانفرادية للمغرب تدفعه لأن يعيش عزلة جغرافية تامة.
واعتبر عطية أن التراجع الشديد الذي يمر به المغرب حالياً ليصبح كياناً وظيفياً بات أمراً مفهوماً، خاصة لدى المواطنين المغاربة العاديين، ناهيك عن الطبقة السياسية المتآكلة والصراعات داخل العرش الملكي، بالإضافة إلى التصدعات داخل المؤسسة العسكرية. الجميع يدرك الآن هذه الوظيفية المقيتة التي يسير في إطارها نظام المخزن المغربي. المملكة أصبحت تعاني من حالة التشرذم، وتعيش في صمت أمام التنازلات الكبيرة التي قدمها النظام، لا سيما فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية التي حصلت على امتيازات ضخمة على حساب المصالح الوطنية للشعب المغربي.
التحالف مع الأجنبي ضدّ مصالح الشعب.. سياسة مخزنية بامتياز
أكد البروفيسور إدريس عطية أن المغرب اليوم أصبح مجالاً مفتوحاً للاستثمار لصالح الأطراف الأجنبية، وهو ما يعمق التصدع الداخلي، خاصة بين الشعب المغربي والسلطة الحاكمة. هذا الوضع –يضيف عطية- ينبئ بانفجار اجتماعي قريب في المملكة، التي تواجه متاعب جادّة. ويتفاقم هذا الخطر إذا استمر الساسة هناك في تجاهل نبض الشارع وتمسكوا بسياسة القمع التي تزيد الأوضاع سوءًا.
واستشهد محدّثنا بالمفكر المغربي عبد الله العلوي الذي أشار إلى هذا الواقع بقوله إن “لا حرية لجائع ولا وطن للعبيد”، مضيفا، أن هذا المنطق الاستعبادي في المغرب يؤكد أن ثورات الخبز كانت دائمًا موجودة، وأن سياسة التجويع هي سياسة مخزنية بامتياز تستهدف أبناء الشعب المغربي. كما أن الخيانة متجذرة في نظام المخزن، الذي يقوم على الولاء للأجانب والتحالف معهم ضد مصالح شعبه.
وفي ختام حديثه مع “الأيام نيوز”، أشار عطية إلى أن القمع المخزني يستهدف اليوم المطالبين بإسقاط التطبيع، حيث تم سجن العديد منهم بتهم ملفقة وأحكام سجنية مبالغ فيها، بهدف إحباط كل المحاولات والجهود الرامية إلى وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني.
الفوضى المصطنعة.. هذه خيوط المؤامرة الغربية في العالم العربي
قدّم عبد الرحمن بوثلجة، الأستاذ والباحث الجزائري، قراءة تحليلية عميقة لتاريخ العلاقات بين العالم العربي والغربي، مبرزًا الدور الغربي في استمرار ضعف وانقسام الدول العربية والإسلامية. وعبّر بوثلجة -في تصريح خص به “الأيام نيوز”- عن رؤيته النقدية التي تتفق مع تيارات فكرية ترى أن الهيمنة الغربية لم تنتهِ بانتهاء الاستعمار التقليدي، بل استمرت بأشكال جديدة تتناسب مع كل مرحلة زمنية، واتهم بوثلجة الغرب باستخدام أدوات الفوضى والجماعات المسلحة لتحقيق أهدافه على حساب استقرار الدول، كما سلط الضوء على ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا مثل فلسطين، ودور (إسرائيل) كقاعدة للنفوذ الغربي.
في تحليله لمسألة النفوذ الغربي، أوضح بوثلجة أن العالم الغربي، بعد فشله في الحفاظ على مستعمراته مباشرة عقب الثورات والانتفاضات، لجأ إلى أساليب جديدة لضمان استمرار مصالحه. هذه الفكرة تتماشى مع مفهوم “الاستعمار الجديد” أو “الإمبريالية الجديدة”، حيث ما زالت القوى الغربية تمارس نفوذها السياسي والاقتصادي عن طريق أدوات غير مباشرة، مثل الدعم العسكري أو فرض العقوبات الاقتصادية، وأحيانًا من خلال دعم الأنظمة الدكتاتورية التي تخدم مصالحها الاستراتيجية.
الصراع الشرقي الغربي واستغلال المنطقة
أشار بوثلجة إلى أن المنطقة العربية والإسلامية أصبحت، بعد الحرب العالمية الثانية، ساحة للمعركة بين القوى العظمى، خاصة خلال فترة الحرب الباردة. وذكر بوثلجة أفغانستان مثالا بارزا على هذا الاستغلال، حيث دعمت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي، ثم تخلت عنهم بمجرد تحقيق أهدافها. هذه السياسة، بحسب بوثلجة، تعكس استغلال الغرب للقوى المحلية لخدمة مصالحه دون مراعاة للعواقب البعيدة المدى، مثل بروز تنظيم القاعدة الذي انقلب فيما بعد على الولايات المتحدة نفسها.
وانتقد بوثلجة بشدة سياسات الولايات المتحدة والغرب التي تعتمد على إضعاف الدول العربية والإسلامية من خلال وسائل مثل الحصار الاقتصادي أو إشعال الثورات والفوضى الداخلية. واعتبر أن هذه السياسات تمثل ازدواجية واضحة في المعايير، حيث يتم رفع شعار “نشر الديمقراطية” ليكون ذريعة للتدخل، في حين أن الهدف الحقيقي هو الحفاظ على الهيمنة الجيوسياسية وتعزيز مصالح القوى الكبرى.
(إسرائيل) قاعدة متقدمة للغرب
فيما يتعلق بـ(إسرائيل)، وصف بوثلجة الكيان الصهيوني بأنه “رأس حربة” للغرب في الشرق الأوسط. وأشار إلى أن الدعم الغربي لـ(إسرائيل) ليس مجرد تحالف استراتيجي، بل جزءا من خطة أوسع تهدف إلى السيطرة على المنطقة العربية والإسلامية. هذا الدعم يهدف إلى ضمان تفوق (إسرائيل) العسكري والاقتصادي، ما يجعلها قوة مهيمنة في المنطقة تخدم مصالح الغرب بشكل مباشر.
وفي تناوله لمسألة تفتيت العالم العربي والإسلامي، أشار بوثلجة إلى أن الغرب يسعى باستمرار إلى زرع الفتن والخلافات بين الدول العربية والإسلامية، لمنعها من تحقيق الوحدة اللازمة لتصبح قوة مؤثرة على الساحة الدولية. هذه الاستراتيجية، المعروفة بمبدأ “فرق تسد”، تهدف إلى إبقاء هذه الدول ضعيفة ومشتتة، وهو ما يتجلى بوضوح في دعم الصراعات الداخلية التي تشهدها العديد من الدول العربية.
السيادة والاستقلال
ورغم الضغوط الغربية المستمرة، أشار بوثلجة إلى أن هناك دولًا استطاعت الحفاظ على سيادتها واستقلالها بعيدًا عن النفوذ الغربي، مشيرًا إلى أن ذلك يعود لعوامل تاريخية أو طبيعة شعوبها. ومع ذلك، يظل تأثير تلك المحاولات محدودًا أمام قوة الضغط الغربي التي تسعى باستمرار إلى إضعاف هذه الدول.
وضمن تحليله، يؤكد بوثلجة أن الهيمنة الغربية، رغم تبدل وسائلها، لا تزال تمثل عائقًا رئيسيًا أمام نهوض العالم العربي والإسلامي. هذه الهيمنة تستمر عبر استراتيجيات معقدة تهدف إلى إضعاف القوى المحلية والسيطرة على مواردها، مع إبقاء (إسرائيل) أداة رئيسية لضمان التفوق الغربي في المنطقة.
بوثلجة أوضح في تصريحه لـ”الأيام نيوز” أن ما سُمي بـ”الربيع العربي” وما تلاه من حروب أهلية في دول مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن كان جزءاً من مخططات غربية تم تطويرها في “مختبرات غربية”، مذكر –في هذا السياق- بما قاله بعض المسؤولين الأمريكيين أن تنظيم القاعدة الإرهابي أنشأته أمريكا.
الجماعات المسلحة والمصالح الأمريكية:
أكد عبد الرحمن بوثلجة أن الجماعات المسلحة التي ظهرت في المنطقة كانت تخدم المصالح الأمريكية، مستشهداً بغياب هذه الجماعات عن دعم القضية الفلسطينية رغم ادعائها السابق الجهاد والدفاع عن المظلومين. ويرى بوثلجة أن هذا يعكس ما وصفه بازدواجية الغرب، حيث يستغل هذه الجماعات لتحقيق أهدافه دون اكتراث للقضايا المركزية مثل القضية الفلسطينية.
وأشار بوثلجة إلى أن التدخلات الغربية في ليبيا والعراق، التي جاءت تحت ذريعة إسقاط الأنظمة الدكتاتورية، كانت تهدف في الحقيقة إلى نشر الفوضى وتدمير تلك الدول. وأوضح أن الغرب، الذي يزعم حماية المدنيين، لم يتخذ أي موقف ضد الجرائم الإسرائيلية في غزة، مما يعزز من فكرة ازدواجية المعايير التي يتبناها في التعامل مع قضايا المنطقة.
كما انتقد بوثلجة موقف الغرب من الصراع الأوكراني، موضحاً أن دعمه لأوكرانيا في مواجهتها مع روسيا يتجاهل الخسائر البشرية التي يتكبدها الشعب الأوكراني. واعتبر أن هذا الدعم لا يُعبر عن حرص على الشعوب، بل يعكس سعي الغرب لتحقيق مصالحه الاستراتيجية حتى على حساب الشعوب المتضررة.
في السياق نفسه، وجه بوثلجة نقداً للدول العربية والإسلامية التي لا تزال ترتبط بتحالفات مع الغرب، مشيراً إلى أن هذه التبعية تمنع تحقيق الوحدة العربية والإسلامية المنشودة. ويرى أن هذا التحالف يخدم مصالح النخب الحاكمة على حساب شعوبها، مما يؤدي إلى استمرار الوضع الراهن ويحول دون تشكيل قوة موحدة قادرة على مواجهة القوى الكبرى.
من استقلال مغشوش إلى عمالة بلا حدود.. كيف تحوّل المغرب إلى قاعدة استعمارية جديدة؟
بقلم: حمة المهدي – كاتب وإعلامي صحراوي
منذ توقيع السلطان المغربي عبد الحفيظ معاهدة الحماية الفرنسية عام 1912، والنظام المغربي يخضع للحماية الفرنسية حتى اليوم، رغم الاستقلال الصوري الذي حصل عليه المغرب عام 1956، والذي سمح لفرنسا بالتركيز على حملاتها الاستعمارية في الجزائر، حيث خرجت منها تجر أذيال الهزيمة بعد أكبر ثورة تحررية أبهرت العالم في القرن العشرين.
وخلال هذه الفترة، تمكن الغرب من تحويل المغرب إلى دولة وظيفية، مُلزمة بتنفيذ الأجندات الغربية مقابل حماية نظامها الملكي ومنحها وضعًا متقدمًا في المساعدات والقروض والمشاريع التي تعزز تبعيتها وتشابك مصالحها مع الغرب.
هذا الواقع جعل المغرب أداة طيّعة في أيدي الدول الغربية، مما أهله للعب دور الشرطي في الدفاع عن مصالح الغرب على حساب مصالح جيرانه. فقد تحول إلى قاعدة خلفية للاستعمار من خلال القواعد العسكرية والاستخباراتية واتفاقيات التعاون الأمني مع الدول الغربية ومحور التطبيع مع الأنظمة العربية، بالإضافة إلى المحور الفرانكفوني المرتبط بمصالح فرنسا في القارة الإفريقية.
حيث يوجد في المغرب قواعد عسكرية جوية عدة تستخدمها الولايات المتحدة لأغراضها الخاصة في حالات الطوارئ في إفريقيا والشرق الأوسط. وقد تعززت هذه القواعد بإنشاء قاعدة صهيونية، بعدما أعطى الملك المغربي الضوء الأخضر لإنشاء أول قاعدة عسكرية للكيان الصهيوني، تتوسط المنطقة الفاصلة بين مليلية والجزائر، مما يعد استفزازًا صريحًا لدول الجوار، خاصة الجزائر وإسبانيا، وتهديدًا لأمنها القومي.
وفي السنوات الأخيرة، حاول المغرب إظهار الولاء للغرب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وسحب سفيره من طهران، وإعلان دعمه لأوكرانيا في حربها مع روسيا، كما قام بإخراج التطبيع مع (إسرائيل) إلى العلن بفتح سفارة لها في الرباط، ورفع وتيرة التحرك لإقناع دول عربية أخرى بتطبيع العلاقات، ضمن ما يعرف بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.
وفي الوقت الذي رفضت إسبانيا استقبال سفينة تابعة لبحرية جيش الاحتلال الإسرائيلي، سمح المغرب للسفن الحربية الإسرائيلية بالتزود بالوقود والطعام خلال رحلاتها من الولايات المتحدة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد تم نقل الإمدادات والمعدات على متن السفن الإسرائيلية في ميناء طنجة، جنوب مضيق جبل طارق، حيث قامت السفن الإسرائيلية بإيقاف أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بموقعها لتجنب إحراج النظام المغربي، الذي أصبح أداة طيّعة في يد الصهيونية العالمية، رغم الانتقادات الشعبية الواسعة والمظاهرات المطالبة بإسقاط التطبيع.
وضمن التنسيق الوثيق بين المغرب والكيان الصهيوني، تم توقيع اتفاقيات تعاون عسكري وأمني تسمح بنقل الأسلحة والجنود. وقد أعلنت المقاومة الفلسطينية عن قتل العديد من الضباط والجنود من أصول مغربية يحابون إلى جانب الصهاينة في العدوان على غزة.
ومن تداعيات الدور الذي يقوم به المغرب لصالح الغرب، فشل كل مبادرات الاتحاد المغاربي والتكتل الاقتصادي، وعجزه عن تحقيق الشراكة والتعاون بين شعوب المنطقة. ويعزى ذلك إلى بقاء المغرب تحت الوصاية الغربية التي توفر الحماية لنظامه الملكي الاستبدادي، وسط أنظمة جمهورية تتمتع شعوبها بالديمقراطية وتملك قرارها السياسي في اختيار من يحكمها.
هذا يفسر الصمت الغربي عن الانتهاكات المتفاقمة لحقوق الإنسان في المغرب، والجرائم التي يرتكبها النظام المغربي بحق شعبه وشعوب المنطقة التي لم تسلم من أطماعه التوسعية وأساليب الابتزاز، بالإضافة إلى إغراقها بالمخدرات والهجرة غير الشرعية والعصابات الإجرامية العابرة للحدود، مع استمرار عدوانه على الشعب الصحراوي واحتلاله غير الشرعي للصحراء الغربية، التي تصنفها الأمم المتحدة ضمن قضايا تصفية الاستعمار، ويعتبرها الاتحاد الإفريقي آخر مستعمرة في إفريقيا.
في صورة كيان يتواطأ ضدّ نفسه..
حالة شاذّة في الساحة الدولية اسمها “المغرب”
بقلم: ماء العينين لكحل – دبلوماسي صحراوي
يعيش نظام الاحتلال المغربي مرحلة حرجة توحي بقرب انهياره، حيث تعاني مؤسسات الدولة العميقة، وخاصة “المخزن” أي القصر الملكي، من أزمة قيادة واضحة. وتزداد التساؤلات حول شرعية الأسرة الملكية واستمراريتها، وكذلك حول خليفة الملك الحالي الذي يقضي معظم وقته خارج المغرب، متورطًا في شهواته الشخصية وصفقاته المالية المشبوهة.
وفي غيابه، تُترك البلاد نهبًا لحاشيته التي استغلت موارد البلاد، واستولت على مفاصل الحكم والاقتصاد، وطحنت الشعب المغربي طحنا بأحذية قواتها الأمنية التي لم ينج من بطشها أحد، فكما قال محمود درويش رحمة الله عليه، “في السجن متسع للجميع، من الشيخ وحتى الرضيع، ومن رجل الدين حتى النقابي والخادمة”.
من اللافت أن استمرار الاحتلال المغربي للصحراء الغربية يُعد أحد الأسباب الرئيسية التي قد تؤدي بالمملكة إلى المهلكة. فما تسعى الرباط إلى فرضه واقعا استعماريا في الصحراء الغربية مرفوض قانونيًا، وغير جائز شرعًا، ويواجه مقاومة شديدة من أبناء الشعب الصحراوي الذين يرفضون الخضوع للإرادة التوسعية المغربية.
إضافة إلى ذلك، فإنهم يرفضون الرضوخ للأجندة الاستعمارية الفرنسية التي تقف خلف المغرب. وقد كشفت فرنسا مؤخرًا عن دعمها العلني، خاصة بعد أن أعلن الرئيس ماكرون بوضوح عن دعمه لهذا الاحتلال، واضعًا جميع أوراقه الاستعمارية على الطاولة فيما يخص الصحراء الغربية. هذا الموقف يفضح زيف شعارات الجمهورية الخامسة، التي طالما ادعت الدفاع عن حقوق الإنسان والشرعية الدولية في قضايا أخرى مثل الحرب في أوكرانيا، لكنها تقف بجانب الاحتلال عندما يتعلق الأمر بالصحراء الغربية.
غير أن النظام الملكي المغربي، الذي يُعرف بأنه صنيعة فرنسية بامتياز والمحمي بأموال الدكتاتوريات الخليجية، يظل حالة شاذة في الساحة الدولية. فهو نظام يفتقر إلى السيادة والاستقلالية السياسية في إدارة علاقاته الدولية، بل وحتى الداخلية. وقد يتفاجأ قارئ هذا المقال بالحقيقة المدوية، ولكن الدليل على ذلك هو طبيعة العلاقات الاقتصادية التي تحكم المغرب، ذلك أن الدول الغربية و(إسرائيل) تملك فعليًا مقدرات وثروات المملكة المغربية.
لقد خصخص النظام المغربي كل شيء وباع كل شيء، مما دفع الشعب المغربي إلى أدنى درجات الفقر والجهل والتبعية. وقد قضى على أي صوت مغربي حر يحاول تسليط الضوء على هذه الحقيقة، سواء عبر القتل أو النفي أو السجن. ولم يبقَ من الطبقة السياسية سوى الانتهازيين والمشركين، الذين يعبدون مولاهم أمير المؤمنين، وأباطرة تجارة المخدرات، أو بعض السياسيين الشرفاء الذين يناضلون على الهامش، وهم مقموعون ومجوعون ومنهكون من السجن والتعذيب والترهيب.
ولما لم تنجح كل محاولاته السابقة للسيطرة على الصحراء الغربية وإسكات صوت الشعب الصحراوي، اضطر نظام الاحتلال المغربي إلى الارتماء في أحضان الصهيونية العالمية، التي كان له معها حلف سري منذ خمسينيات القرن الماضي. وقد رهن مصيره حاليًا بمصير نظام الاحتلال الصهيوني الذي يمر بدوره بمراحل وجوده الأخيرة، حيث بدأت بوادر ذلك تظهر من خلال الهبة العالمية لدعم حقوق فلسطين حتى في عقر دار اللوبي الصهيوني في واشنطن.
وما يثير الاستغراب حقًا هو أن نظام الاحتلال المغربي، رغم تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والصحية والتعليمية، ما يزال يبذل ملايين الدولارات لشراء الذمم في مختلف وسائل الإعلام الدولية وفي الساحات العالمية، محاولًا بيع الوهم ليس فقط للمغاربة، بل حتى للرأي العام الدولي.
بدلاً من ذلك، كان ينبغي عليه صرف هذه الأموال على محاولة سداد ديونه للبنك الدولي وغيرها من الهيئات المالية، أو لإصلاح الأوضاع المزرية للمغاربة المقهورين، مثل ضحايا الزلزال الأخير في الحوز، أو ضحايا الفيضانات والكوارث الأخرى التي كشفت عن هشاشة نظام المخزن وعجزه ليكون بلدا فاشلا بكل المقاييس.
فالمغرب، الذي تسوق له الدعاية المخزنية على أنه حالة ناجحة في شمال أفريقيا، هو في الواقع نظام مدين يعيش على موارد المخدرات، ومداخيل شبكات الدعارة، ويبيع أطفاله وفتياته القاصرات للمرضى النفسيين الغربيين من مغتصبي براءة الطفولة. كما يمنح ثروات البلاد بثمن بخس للشركات الأجنبية، حتى أصبح المستثمر المغربي غريبًا في وطنه، عاجزًا عن منافسة رؤوس الأموال الأجنبية التي تتحكم في كل مفاصل الاقتصاد. ويكفي البحث عن أهم الشركات الدولية العاملة في المغرب لإدراك حجم الاستنزاف الخطير للثروات الذي يعاني منه الشعب المغربي بسبب هذا النظام العميل.
أكثر من ذلك، لم يقتصر الأذى المخزني على الشعب المغربي فقط، بل تجاوزه ليشمل دول الجوار، وعلى رأسها الصحراء الغربية، التي اختطف نظام الاحتلال منها أكثر من خمسة عقود من حياة أبنائها، ونهب خيراتها، وورط في هذا النهب القوى الاستعمارية، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا واليابان، وغيرهم كثير، مقابل مواقف إعلامية، والتضييق على الشعب الصحراوي وقيادته المشروعة، جبهة البوليساريو والجمهورية الصحراوية، وفتح أكشاك دبلوماسية في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية.
من جهة أخرى، يتجاوز أذى النظام المخزني حدوده الداخلية ليلعب دور دولة وظيفية خادمة للأجندات الاستعمارية الغربية، خاصة الفرنسية والإسرائيلية في القارة الأفريقية. في هذا السياق، قام نظام الاحتلال بأداء العديد من الأدوار القذرة في دول أفريقية عدة دعمت فرنسا أنظمتها الرجعية ضد إرادة شعوبها، بل وشاركت قواته في قمع هذه الشعوب، كما حدث في الكونغو (زائير سابقًا)، حيث دعمت الرباط موبوتو سيسي سيكو، إلى أن انهزم في عام 1997 وهرب طالبًا اللجوء عند أصدقائه خدام الأعتاب الفرنسية في المغرب، حتى توفي هناك وحيدًا شريدًا.
ومثل ذلك، فعل رئيس بوركينا فاسو السابق بليز كومباوري، قاتل زميله ورئيسه توماس سنكارا في عام 1987. وكما هو معروف، هرع كومباوري إلى المغرب طلبًا للجوء إثر اندلاع احتجاجات شعبية ضده أجبرته على التنحي عن الحكم في أواخر أكتوبر 2014. لكن مقامه في الرباط لم يدم طويلًا، وانتقل بعدها إلى ساحل العاج التي منحته حق اللجوء بعد أن أحس بإمكانية خيانة أصدقائه المغاربة له.
ومؤخرًا، وقع نظام الاحتلال المغربي بشكل نهائي في أفخاخ الاحتلال الإسرائيلي، إذ طبع معه ووقع اتفاقيات أمنية وعسكرية غير مسبوقة حتى بين المطبعين. وساهم بجنود مغاربة في الحرب على الفلسطينيين في غزة وغيرها. ويكفي أن نعلم أن لدى (إسرائيل) حاليًا أكثر من مليون إسرائيلي من أصول مغربية، جلهم، إن لم يكن كلهم، يحملون الجنسية وجواز السفر المغربي، وأغلبهم ينتمون إلى اليمين واليمين المتطرف. هذا يكشف حجم التورط والتشابك بين النظامين المغربي والصهيوني، فهما بحق توأمان في أساليب العمل والأهداف.
لا شك أن النظام الملكي في المغرب يواجه احتمالات سقوط وانهيار شبه كامل نتيجة فشله في استغلال الفرص لتحقيق الاستقلال الفعلي عن التبعية للغرب، وبناء اقتصاد وطني قوي، وعلاقات طيبة مع جيرانه، خصوصًا الصحراويين والجزائريين والإسبان، الذين يعانون من رعونته وتوسعيته.
الأكيد أن المغرب لن يعرف الاستقرار ولا الأمن ما دام مصممًا على مواصلة الاحتلال غير الشرعي للصحراء الغربية. وقد يتحول بسبب هذا الإصرار إلى “الرجل المريض” في شمال أفريقيا، ومن المحتمل أن يتفتت إلى دول وكيانات صغيرة بسبب تعمق الفوارق والعداوات التي خلقها النظام بين أبناء الشعب المغربي على أساس الهوية الثقافية، العرق، والجنس.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى أنه بالإمكان فعلاً إنقاذ المملكة المغربية إذا نجح المغاربة في إسقاط النظام الملكي وبناء نظام جديد، ديمقراطي، متصالح مع شعبه وجيرانه، قادر على احترام الشرعية الدولية، والمساهمة في تحقيق الاستقرار المطلوب لتأسيس وحدة مغاربية حقيقية تتجاوز الحدود وتخدم مصالح جميع شعوب المنطقة.
بيع الوهم بالوهم..
المخزن: لا أحد ينافسني في الأدوار الوظيفية القذرة
بقلم: السيد حمدي يحظيه – كاتب من الصحراء الغربية
لم يكن هناك بلد قد تخلّى عن سيادته وكرامته كما فعل المغرب، فمنذ استقلاله الذي منحته له فرنسا دون أن يخوض معركة واحدة، تحول هذا المغرب إلى أداة طيّعة في خدمة أعداء الأمة الإسلامية والعربية، متحملاً أدواراً مشينة ضد أشقائه، تتجاوز ما قد يفعله الأعداء المباشرون. لقد اندفع المغرب إلى هذا الطريق من أجل كسب دعم الغرب في وهمه الكبير المتعلق بالصحراء الغربية، ما جعله يقدم على أفعال لا يمكن تصورها. ومن أبرز هذه الأدوار الوظيفية المعيبة التي اضطلع بها المغرب يمكن ذكر الآتي:
دور وظيفي في الوقوف في وجه المعسكر الشرقي
قبل أن يحتل المغرب أرض الصحراء الغربية، سنة 1975م، رفع صوته محذرًا الغرب من خطر إنشاء دولة “تابعة” للمعسكر الاشتراكي في تلك المنطقة، حيث زعم أن ذلك سيمكن السوفييت من التواجد على أعتاب أوروبا، مما قد يؤدي إلى سيطرتهم على جزر الكناري وموريتانيا، وبالتالي تطويق أوروبا. وقدم المغرب نفسه الحصن الوحيد الذي يستطيع الوقوف في وجه المد الشيوعي، مدعيًا أنه الحامي الأساسي لمصالح الغرب في شمال غرب إفريقيا.
على صعيد آخر، اتجه المغرب إلى فرنسا، محذرًا من أن قيام دولة في الصحراء الغربية سيشكل امتدادًا للنفوذ الجزائري، ويجلب السوفييت إلى المنطقة، مشيرًا إلى أن هذه الدولة ستكون الخطوة التي تنتظرها الجزائر لطرد فرنسا من الساحل الإفريقي. وبالفعل، حصل المغرب على دعم سخي من السلاح والمساندة في الأمم المتحدة، لكنه رغم ذلك لم يتمكن من حسم قضية الصحراء لصالحه. وقد انتهى هذا الدور الوظيفي مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
دور وظيفي في تصفية القضية الفلسطينية
بينما كان المغرب يلعب دور الحارس الأمين للغرب في مواجهة المد السوفياتي، كان يقوم بدور آخر سري ومشين، يتمثل في السعي إلى تصفية القضية الفلسطينية. فابتداءً من عام 1977، لعب المغرب أحد أخطر الأدوار السرية في التاريخ، حيث تعاون مع الغرب و(إسرائيل) لتصفية القضية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني، مقابل دعم الغرب له في قضية الصحراء الغربية.
لقد كان المغرب هو مهندس اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و(إسرائيل)، والوسيط الذي دفع مصر نحو موقف سلبي، ما شكل ضربة قاسية للنضال الفلسطيني، وأضعف أكبر قوة عربية قادرة على مواجهة (إسرائيل)، وفي عام 1992، عاد المغرب للتدخل مجددًا، واضطلع بمهمة أخرى تسعى لتصفية القضية الفلسطينية، حيث كان العقل المدبر لاتفاقيات أوسلو، التي أدخلت القضية الفلسطينية في مسار سلام وهمي ومعقد.
دور وظيفي ضد التطرف الإسلامي
في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، برزت موجة من التطرف الديني، سرعان ما تحولت إلى أعمال إرهابية ضربت الجزائر بشدة. واستغل المغرب هذه الأحداث ليقدم نفسه للغرب حليفا موثوقا في مواجهة التطرف، مدعياً أنه الوحيد القادر على التصدي لهذا الخطر، وأنه ينبغي دعم الإرهاب داخل الجزائر لمنعه من الانتشار إلى المغرب ثم إلى الغرب. ولتعزيز هذا الدور، قام المغرب بدعوة المرتزقة من مختلف أنحاء العالم وأدخلهم إلى الجزائر بهدف زعزعة استقرار الدولة الجزائرية. والمفارقة أنه بمجرد أن قررت الجزائر إغلاق حدودها مع المغرب، توقف الإرهاب فجأة.
دور قذر في الحرب على العراق وافغانستان
عندما شن الغرب هجماته على العراق في عامي 1991 و2003، كان المغرب من أوائل الدول التي أرسلت قواتها العسكرية للمشاركة في تلك الحروب، مما أدى إلى قتل العراقيين وتدمير بلادهم. وبعد احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان، فتح المغرب أبوابه وسجونه لاستقبال السجناء الأفغان الأبرياء، في محاولة منه لكسب دعم القوى الغربية.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد بلغ المغرب أقصى درجات الخيانة حينما باع القدس وفلسطين بأكملها مقابل اعتراف مزعوم بسيادته على الصحراء الغربية. وسعى المخزن خلف اعتراف لا يملكه لا ترامب ولا نتنياهو، وسلم نفسه بشكل كامل للكيان الإسرائيلي، بما في ذلك القبول بفتح سفارة في القدس والاعتراف بسيادة الاحتلال على فلسطين. وهذه الأدوار المخزية التي قام بها المغرب معروفة للعامة، أما ما خفي من التآمرات السرية فلا يعلم مداها إلا القليل، وهكذا أصبح المغرب في مقدمة المتآمرين على الأمة الإسلامية والعربية.
افهم الدرس يا غبي..
المغرب بين خرافة “شرتات” وأكذوبة السيادة
بقلم: محمد حسنة الطالب – كاتب وصحفي من الصحراء الغربية
“شرتات” هو شخصية افتراضية تُعتبر أقرب إلى الحيوان منها إلى الإنسان في نظر المجتمع الحساني المتجذر في بلاد الساقية الحمراء ووادي الذهب وبلاد شنقيط. ويرتبط اسم هذا المخلوق الخرافي بالطمع والجشع، ويعكس أحيانًا الذل والتهور، بينما يتميز بالغباء في جميع الأحوال.
ومن بين النوادر الطريفة التي يتداولها الصحراويون عن هذه الشخصية، والتي تُروى غالبًا للأطفال لتسليتهم وتعليمهم دروسًا من معطيات الحياة المتشعبة، تبرز تلك القصة التي صادف فيها “شرتات” عابر سبيل يحمل قليلًا من اللحم زادا له. نظرًا لحاسة الشم القوية التي يمتلكها “شرتات” ولخوف عابر السبيل من جشعه وتهوره القاتل، خاصة إذا كان يتضور جوعًا، قرر أن يمنحه قطعة لحم صغيرة، وأرشده قائلاً: “أترى تلك التلة؟”
“شرتات”: نعم.. نعم!
عابر السبيل: هناك قوم نحروا ناقة حديثًا، وبإمكانك الظفر بنصيب أوفر من اللحم عندهم، فأسرع إليهم.
انطلق “شرتات” كالسهم نحو التلة المقصودة، لكنه لم يجد شيئًا مما ذكره عابر السبيل. ورغم ذلك، استمر في طريقه طمعًا في المجهول، وواصل الركض في الاتجاه نفسه، متلفتًا يمينًا وشمالًا، حتى أصابه التعب دون أن يعثر على ما يسد رمقه. لم يهتم عابر السبيل بما سيواجهه “شرتات” من متاعب، وواصل طريقه إلى وجهته، تاركًا إياه ظمآنا يطارد سرابًا في عز الصيف، وقد كتب عليه الفشل المحتوم في النهاية.
في هذه النادرة دلالة واضحة على ما حدث للنظام المغربي عندما وعده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية، بشرط أن يضع القضية الفلسطينية خلف ظهره، وأن ينحاز لـ(إسرائيل) ويخدم أجندتها سرًا وعلانية.
أصبح النظام المغربي، بغبائه وجشعه المعروف، هو “شرتات زمانه”، حيث لم يفكر مليًا في خدعة ترامب ولا في مخالفتها للقيم والأخلاق، وللقرارات والمواثيق الدولية المتعلقة بالقضية الصحراوية. وبدلاً من ذلك، انطلق النظام المغربي بتهور، آملاً أن يحصل على لقمة سائغة من فم الأسد، معتقدًا أنها ستكون بداية الاعتراف المزعوم بسيادته على الصحراء الغربية. لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، حيث رفضت العديد من الدول تلك المساومة التي تتناقض مع الشرعية الدولية، في حين أحجمت دول أخرى كان يراهن عليها عن الاعتراف المشبوه.
والأكثر دلالة، هي الخرائط التي تنشرها (إسرائيل) بين الحين والآخر، ومن بينها الخريطة الدولية التي ظهر فيها نتنياهو مؤخرًا يشرح خططه العسكرية في فلسطين، حيث تضمنتها اسم “الصحراء الغربية” بوضوح، مما يُظهر بجلاء كيف وقع النظام المغربي في بحر من السراب القاتل.
إلى هنا يبدو أن النظام المغربي تعرض لما تعرض له «شرتات» من تيهان ومن مواقف محرجة وسخرية فاقت كل التوقعات، وهذا بشهادة كبار الساسة والمحللين السياسيين والخبراء والعارفين بالسياسة الأمريكية التي تسعى إلى حفظ ماء الوجه من خلال بعض الانسجام الفعلي مع قرارات ومواثيق الشرعية الدولية باعتبارها دولة نافذة وهي صاحبة القلم والآمر الناهي في مجلس الأمن الدولي .
يمكننا استخلاص أوجه الشبه بين التصرفات البليدة للنظام المغربي والسيرة الهزلية لشخصية «شرتات» الغبية من خلال النقاط التالية:
كان «شرتات» طماعًا يمتهن الكذب للحصول على قوت يومه، وهي سمة يتبناها النظام المغربي في سعيه للحصول على دعم لمواقف وهمية تتعلق بقضايا مثل الصحراء الغربية.
كان «شرتات» أنانيًا لا يفكر إلا في نفسه، وهذا ينسجم مع السلبيات التي يعاني منها النظام الملكي في المغرب، الذي يضطهد شعبه منذ زمن بعيد ويظلم الجيران، بهدف حماية العرش من أي خطر يهدده.
كان «شرتات» يفقد صوابه عندما يتضور جوعًا، ويقوم بضربات عشوائية كلما عكرت الأقدار مزاجه الغادر. وهذا ما يحدث اليوم مع النظام المغربي الذي خابت آماله وتدهورت أوضاعه السياسية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية. في الوقت نفسه، يواجه حربًا يومية مع جبهة البوليساريو، مما سيفاقم من تدهور ظروفه الأمنية وقد يُعجّل بسقوطه إذا ما تضافرت مع نقمة الشارع المغربي الغاضب والمناوئ لسياسات الخيانة للقومية العربية وللإسلام، وللظلم والطغيان الذي يمارسه نظام المخزن على الشعب المغربي والصحراوي. كما لم يسلم من تداعيات ذلك الشعب الفلسطيني، الذي طعنه رئيس لجنة القدس، الملك محمد السادس، في الظهر.
كان “شرتات” شخصية وهمية جشعة وغبية تثير السخرية وتبعث على الضحك والاستهزاء، وهذه هي حال النظام المغربي منذ الأمس وحتى اليوم. ولمن يصدق خرافات هذا النظام البليد وأساطيره في الماضي وأكاذيبه ومغالطاته في الحاضر، فإن قراءة التاريخ والواقع أولى به، حيث يمكنها أن تقطع الشك باليقين وتكشف الحقيقة لكل من كان أسيرًا لهذا النظام القمعي نتيجة لتعصب زائف وحياة رتيبة خالية من التأمل.
كان «شرتات» غبيًا يكرر أخطاءه بسبب جشعه الأعمى، وتلك هي حال الاحتلال المغربي، الذي يمثل تلميذًا معتوهًا ورث الغباوة من الاستعمار. وهو الآن يمارس السباحة عكس التيار، وسينتهي به الأمر لا محالة إلى الضياع والغرق في نهاية المطاف.
هذه، بدورها، إحدى نوادر النظام المغربي التي نحكيها لكم، لعلها تكون درسًا وتذكيرًا للمطبعين الجدد والقدامى من الأنظمة العربية الجبانة، التي ركعت ولم تنبس ببنت شفة دفاعًا عن كرامة شعوبها ونخوتها العربية والإسلامية الضاربة عبر التاريخ. كما أنها درس أيضًا لوسائل الإعلام العربية المنافقة التي تطبع بدورها مع هذا التطبيع المشؤوم والإفلاس الأخلاقي، ولم تجرؤ على قول الحقيقة وتسمية الأمور بمسمياتها، لأنها ببساطة تخشى في قول الحق لومة لائم.
المأزق المزدوج.. “إسرائيل” متورّطة والثمن يدفعه المغرب!
بقلم: نبيل كحلوش – باحث جزائري في الشؤون الأمنية والدراسات الاستراتيجية
إنَّ المزلق الذي وقع فيه الكيان الصهيوني والذي دفع ثمنه المغرب هو إشعار دولتين محوريتين في إقليمهما بتهديد مشترك، ما يفتح باب التقارب بينهما في مسائل الدفاع والأمن، وهما الجزائر وإيران.
هذا سيؤدي بالمغرب إلى ترسيخ الخلاف بشكل مجاني مع خصم خطير، وهو إيران، إذ لم يكن المغرب بحاجة إلى السماح للخارجية الصهيونية بالتهجم عليه من أراضيه، ما يسبب ضرراً بمصالح المغرب وشعبه بسبب خطأ المخزن.
وعلاوة على ذلك، فقد ورط الصهاينة المغرب عبر تهجمهم على الجار الجزائري، مما أفقد المغرب أهم ميزة في المنطقة، وهي توازن القوى الإقليمي. فقد قدّم المغرب خدمة مجانية للجزائر من خلال حشد قوى أخرى لصالحها، خاصةً أن التهديد الصهيوني أصبح يشمل المنطقة من أراضي المغرب، التي أصبحت قاعدة متقدمة للكيان الصهيوني لشن عدوان على أي طرف إقليمي.
القطيعة الدبلوماسية التي أقرتها الجزائر مع المغرب تعتبر من الخطوات التي تتفاداها العديد من الدول في هذا العصر، نظراً لتعقيد المصالح والعلاقات والاعتماد المتبادل بين الدول.
ومع ذلك، قطعت الجزائر العلاقات في وقت وجيز جداً شهد فيه أقل من عام واحد:
خرق المغرب لوقف إطلاق النار في الإقليم الصحراوي المجاور لأمن الجزائر.
قضية التجسس باستخدام تقنية سيبرانية صهيونية.
دعم المغرب الدبلوماسي لجماعة إرهابية انفصالية في الأمم المتحدة.
تورط المغرب في دعم حركة ذات أعمال تخريبية وإرهابية ارتكبت في الجزائر، وغيرها من الأفعال.
هذه القطيعة تحمل رسالة جزائرية واضحة مفادها: “القدرة الذاتية للجزائر في إدارة الشؤون الداخلية والملفات الإقليمية دون أي اعتماد متبادل مع جار يهدد الأمن القومي الجزائري”.
الرسالة تعكس قدرة الجزائر السياسية والعسكرية والاقتصادية والشعبية على غلق حدودها أو قطع علاقاتها في أي وقت دون أن تلحق الضرر بمصالحها، مما يدل على أنها دولة ذات سيادة قادرة على حماية مؤسساتها وشعبها من أي تهديد خارجي أو عدوان أجنبي.
التهديد الخارجي والعدوان الأجنبي هما المقياس الذي تقاس به العلاقة بين الجزائر وأي طرف آخر، بلغة واقعية بعيدة عن خدع الدبلوماسية والأخوة والتطبيع.
المصدر : الأيام نيوز - الجزائر