-->

كيف تقبل الشارع الحركة وكيف تغلب بصير على رواسب ثقافة التعصب ...



الصحراء الغربية (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) في الحلقة الاولى والثانية تم تسليط الضوء على حياة مؤسس المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء والمشارب الفكرية التي ساهمت بدورها في تنشيئته بالاضافة الى الاوضاع المحيطة وحالة الاستعمار التي كان يرز تحتها شعب الصحراء الغربية، بالاضافة الى الجو العام الذي كان يطبعه الجهل والتخلف في كافة المجالات الحياتية بفعل الاستعمار وهنا من الطبيعي ان تجد حركة التغيير ،ثقافة تخشى المواجهة مع المستعمر ، وتحافظ على امر الواقع امام ضبابية الظروف الدولية والجهوية رغم هبوب رياح التغيير التي افرزتها التحولات في الجزائر وموريتانيا والمغرب بعد رحيل الاستعمار الفرنسي ، الا ان الضرب على اوتار الجهاد قد احيا جذوة المقاومة في النفوس من جديد .
وامام هذا الواقع ،لم يجد رئس المنظمة الطليعية، محمد سيد ابراهيم بصير و هو خريج الصحافة من القاهرة ودمشق بعد ذلك راس تحرير جريدة الشموع التي منعت من الصدور في المغرب ، من سبيل غير تقمص الواقع والعمل من داخله ، فاشتغل في البداية كمدرس للغة العربية وعلوم الفقه ، الا انه اصطدم بثقافة تؤمن بالعادات وبالتقاليد،وغير قابلة للتكيف مع مستجدات ومستحدثات العلم ، ولا تؤمن الا بالمحسوس ،خاصة في اوساط كبار السن من الشيوخ وفقها ء الدين .
فكانت المعركة شديدة بين المثقف و هذه القيم والانماط الجاهزة التي يمثلها هؤلاء ،الا انه تمكن من اقناع الكثيرين ، وتحديدا اولئك الذين لديهم رصيدا من الثقافة ،وا ن بقيت رواسب الثقافة الشعبية متجذرة ،مستمدة قوتها من الموروث الحضاري الصحراوي الضارب في عمق الازمان ، تتوارثه الاجيال ابا عن جد .
ورغم اوجه الاختلاف ،كان القاسم المشترك بينهم ان الجهاد فرض عين من اجل التحرير و طرد الاستعمار .
الا ان ثقافة القبيلة والعشيرة ، لم يكن من السهولة بمكان تخطيها بين عشية وضحاها وهو ما شكل معركة كبيرة ،خاصة خلال سنوات المخاض.
انتفاضة الزملة الحدث المفصلي في القطيعة مع الاستعمار
بعدما تلقت اسبانيا خبر وجود تنظيم سري  يعمل من اجل الاستقلال و التخلص من سيطرتها عملت على مواجهته والقضاء عليه،فبالاضافة الى استنفار كافة قواتها من مختلف التشكيلات واجهزتها الاستخبارية المعلنة والسرية وتشكيل مكاتب تحقيق تعمل باعازات من الحكومة المركزية لجأت ايضا الى محاولات توظيف الجمعية العامة الصحراوية المتكونة من الشيوخ لاكتساب شرعية مزورة للرد وبيد من حديد على الحركة الوطنية واطاراتها
فبالاضافة الى الحرب النفسية التي شأنتها والبعد العدائي الذي اعطته لما يجري وتضخيم الاخبار وتحريفها حددت يوم 17 يوينو 1970 موعدا لعقد مهرجان ضخم بمنطقة الثور بالعيون عاصمة وطننا المحتل دعت له كل المواطنين من كل المدن والمداشر الصحراوية ووفرت النقل لذلك الغاية منه بالاضافة الى كونه عمل استفزازي للمنظمة الطليعية لاكتساب شرعية مزورة
للرد واظهار تشبث الصحراويين باسبانيا وولائهم لها ترأس المهرجان الحاكم الاسباني بالصحراء واعضاء الجمعية العامة الصحراوية مقابل ما خططت له اسبانيا قامت المنظمة الطليعية باستدعاء كافة المنخرطين بها والمناصرين لها ونظمت حشد جماهيري ضخم بحي الزملة اين شيدت العديد من الخيم التقليدية لاحتضانه زينتها بالكثير من اللافتات التي تطالب اسبانيا بتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الصحراوي
واعطائه فرصة المشاركة في تسيير شؤونه وفتح اباواب التأهيل الثقافي والعلمي وفقا لما يخدم معتقداته وثوابته كشعب عربي مسلم كما طالبت بالتوظيف الجيد لعائدات ثرواته الطبيعية وضمان مناصب الشغل الشريف كما أعربت الجماهير عن رفضها للتمثيل القبلي الذي تحاول اسبانيا تكريسه من خلال الجمعية العامة.
كان الاقبال على المهرجان او المحفل الذي نظمته الحركة كبيرا وكبيرا جدا تخللته كلمات للعديد من الوطنيين تشجع الجماهير وتحي في نفوسها جذوة المقاومة وللتذكير فقد كانت ليلة 17 يونيو ليلة متميزة في تاريخ الحركة حيث امضى اطاراتها ليلهم في الاتصال بالجماهير التي نقلها المستعمر.
وشكلت انتفاضة 17 يونيو1970 بحي الزملة وسط مدينة  العيون - الحدث الذي يعتبر نقطة تحول مفصلية في تاريخ الحركة الوطنية الصحراوية الذي لعب فيه مؤسسها الفقيد الشهيد محمد سيد إبراهيم بصيري، دورا محوريا في مواجهة السلطات الاستعمارية الاسبانية بطريقة سلمية عبر مظاهرة مطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الصحراوي.
يوم الثلاثاء 16 جوان 1970 عقد بعض قادة المنظمة الطليعية اجتماعا قرروا فيه أن لا يحضر بصيري إلى المظاهرة لإنه بلا أوراق، وإذا قبض عليه الاستعمار سيسلمه للمغرب، وحتى أنه كان هناك من اقترح عليه سريا في الاجتماع مغادرة الصحراء، لكنه رد عليهم بكلمته الشهيرة:" أفضل الموت معكم أو السجن، بدلا إن يقال أنني دفعتكم للتهلكة وتخليت عنكم في آخر لحظة. إذا هربت سيقولون انني مرتزق. لن يقول احد أنني مغامر قاد شعبه إلى الموت وهرب" كان قويا في ذلك القرار، وبقى في مكانه ثابتا. كان في ذلك اليوم يكرر كثيرا كلمة الثبات، وان الثبات هو الانتصار. 
يوم 17 يونيو، بعد أن أرتكب الاستعمار لأسباني المجرم مجزرته في الزملة بعد المظاهرة السلمية، توجه الكثير من رفاق بصيري إلى المكان الذي تواجد فيه، وطلبوا منه أن يغادر، أمتلات الدار من الرجال والنساء بعضهم يصرخ، وبعضهم فكَّر في استعمال القوة ضد بصيري يطلبون منه أن يخرج وينجو، لكن هو، صاحب النظرة البعيدة، حافظ على صمته وبرودة أعصابه ورفض الفكرة. حتى أنهم بعثوا سيارة له لتحمله إلى موريتانيا، لكنه أعاد على مسامعهم كلمته المشهورة:" أفضل الموت ويكتبني التاريخ شهيدا وتقدسني الأجيال القادمة من أن يكتب عني التاريخ الفرار وتلعنني الأجيال القادمة." كان قويا ومتماسكا حتى في اشد اللحظات خطورة. بقى في مكانه حتى اعتقلته الشرطة الأسبانية، دون مقاومة، رافعا رأسه بتحدي.
يوم 17 يونيو كتب بصيري رسالة لرفاقه يقول لهم فيها بالحرف:
" بسم الله الرحمن الرحيم
إلى إخواننا الأعزاء المحترمين؛
تحية طيبة وحارة وبعد؛ 
نحن بخير وعلى خير.. المذكرة لم تُقدم برفض من السلطة، والسلطة لم تتقابل مع أعضاء المنظمة، ورفضت ذلك. ونحن قررنا أن لا نشارك في مظاهراتهم بصفة واحدة وهي أننا سنجتمع وحدنا في الخيام، ومن أراد إن يتكلم معنا من جهة الحكومة فليقدم علينا. 
وأعلموا إن المسألة خطيرة وخطيرة جدا، والأمور معقدة كثيرا من التعقيد ومؤزمة، وحسب ما يظهر لي أنها تكثر من التعقيد.. لكن لا بأس، سوف تُحل كل الأمور بالسياسة.
أهل الداخلة أتوا هنا ودخل منهم 50 شخصا، وكبيرهم ينتظر وصول خطري.
أن أمرتكم الحكومة بالقدوم فأقدموا عندنا، ونحن بانتظاركم، وإن قالت لكم أنها سوف تذهب بكم لمصلحتها فقولوا لها نعم ونحن بانتظاركم. 
أوصيكم بالصبر والثبات وأياكم والتراجع
بصيري
وذهب الرجل وجُهل مصيره، لكن موقفه الرافض للهروب والانسحاب وكلمته، "الثبات وأياكم والتراجع"، ستبقى ترن في أذن التاريخ الصحراوي وآذان الصحراويين كدرس نادر لن يتكرر كاتبه

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *