-->

العرب في المونديال.. فن صناعة الإحباط


بالطبع بدأ الأمر مع إطلاق صافرة المباراة الافتتاحية، أو لنكن أكثر دقة ولا نبخس السعوديين حقهم ونقول إن الأمر بدأ عندما أرسل غولوفين عرضيته الأولى الدقيقة داخل منطقة جزائهم ليستقبلها غازينسكي برأسه مسجلًا الهدف الأول. قبلها كان الأخضر أفضل على مستوى الأداء وإن مالت كفة الخطورة نحو الروس، وقدم السعوديون 14 دقيقة جيدة ولكن على أرضية هشة للغاية، لدرجة أنها قد تحتاج لسنوات لتتعافى من رأسية غازينسكي وما تبعها.
اللاشيء السعودي
بدأت النتائج في عملها السحري، وعاد الجميع للتشكيك في المستوى الجيد الذي ظهر به السعوديون أمام ألمانيا في الهزيمة بهدفين لهدف، بحجة أن الألمان لن يخاطروا بتقديم مباراة قوية وإصابة أحد نجومهم قبل المونديال بساعات، وهي حجة منطقية للأسف يصعب مراوغتها، وعلى الأقل فإن كان أداء مباراة ألمانيا كافيًا لرفع سقف الطموحات فإن كل ما عداه كان كافيًا للعكس.
بعد المباراة خرج تشيرشيزوف مدرب روسيا ليؤكد بأنه كان يعلم أن فريقه سيهزم السعوديين بهذه النتيجة، ليس هو فحسب بل "أصدقاء روسيا ورفاقها" كذلك على حد تعبيره. لم يفهم أحد المقصود بأصدقاء روسيا ورفاقها وبدا الأمر وكأنه شفرة أو إشارة متفق عليها ضمن مخطط ما للمخابرات. المهم أن سحر النتائج عمل في الاتجاه العكسي كذلك، والدب الروسي الهزيل - الذي لم يكن يستطيع اصطياد سمكة ولو قفزت في فمه - قد انخدع بالأهداف الخمسة بدوره، وبما منحه من كبرياء لزعيمه بوتين أثناء جلوسه رفقة ولي عهد السعودية، وبالطبع عاد بوتين ليقاطع المؤتمر الصحفي عقب المباراة بمكالمة هاتفية استعراضية لتشيرشيزوف تليق بديكتاتوريات الشرق الأوسط. (2)
سذاجة الثعالب
"رونار" مدرب منتخبات رائع، هذه حقيقة، ومعه يمتلك المغرب منتخب رائع بدوره، هذه حقيقة أخرى، ولكن مازال الثعلب الفرنسي عاجزًا عن فك شفرة النهائيات، كل شيء كان ممهدًا للمغاربة ليفوزوا على الإيرانيين ولكنهم لم يفعلوا، ولم يتعادلوا حتى، بل خسروا في الدقائق الأخيرة برأس بديلهم الذي كان يجب أن يشترك مبكرًا.
المشكلة الحقيقية لم تكن في ارتكاب الأخطاء في التشكيلة، نحن نتحدث عن افتتاحية كأس عالم ومنتخب لم يلعب معه المغرب إلا مرات قليلة منذ دخلت الكرة بلادهم، لكن المشكلة تجلت في الإصرار عليها حتى النهاية.
الجيل الإيراني الحالي لا يجيد بناء اللعب ولا صناعته ولا الاستحواذ.. ماذا يجيد؟ تدمير كل ما سبق، تكسير الإيقاع ونسف الهجمات وإفساد الاستحواذ، مستخدمًا في ذلك قوة بدنية واندفاع كبير، وعلى الرغم من مرتداته الخطيرة التي كادت تعقد الموقف في البدايات إلا أن المعادلة كانت واضحة للغاية بعد الخمس وعشرين دقيقة الأولى؛ هناك مرمى واحد وهناك كرة واحدة وكيروش لن يخاطر بالخروج من مناطقه، المغرب يحتاج لصناعة الفرص وتسجيلها، ولكن المشكلة أن العناصر الهجومية الخمسة التي يلعب بها رونار منقسمة إلى 4 صناع لعب ومهاجم واحد كذلك.
يمكنك القول بأن أسود الأطلسي لم يمتلكوا ما يكفي من الأسود داخل منطقة جزاء الإيرانيين، فقط الكثير من الثعالب يحومون حولها بلا طائل طيلة المباراة؛ زياش يمرر، وبالهندة يمارس هوايته في تخييب الآمال، وبوصوفة يحاول، والأحمدي لا يتوقف عن الركض بلياقته البدنية المبهرة، وأمين حارث يتحرك يمينًا ويسارًا، ولكن كل ذلك يصب عند مهاجم واحد هو الكعبي، لذا لم يكن الإيرانيين بحاجة إلى إحكام الرقابة على كل هؤلاء بل إحكام الرقابة على الكعبي نفسه وحينها تكون قد حُلت أغلب مشاكلهم، ويأتي بعدها دورهم في تحويل اللعب جهة حكيمي، الخطأ الثاني لرونار في تشكيل المغرب، والذي اشترك لتقديم الدعم الهجومي فوجد نفسه غارقًا في الاختبارات الدفاعية ولم يفكر مدربه في استبداله رغم جهوزية حمزة منديل.
يمكنك القول كذلك أن رأسية بوحدوز لم تنه المباراة وحسب، بل أطاحت بآمال المغرب في الترشح للدور الثاني من الأصل والأهم أن ما كان يحتاج له رونار والمغرب هو إشراك بوحدوز إلى جانب الكعبي من بداية الشوط الثاني، لا استبدال أحدهما بالآخر. مباراة إيران لم تكن سهلة أبدًا لأن الإيرانيين لم يقبلوا إلا ثلاثة أهداف في التصفيات وضربوا الرقم القياسي في عدد المباريات المتتالية بشباك نظيفة، ولكن من بين أسبانيا والبرتغال كانت إيران فرصة المغرب الأفضل للحصول على ثلاث نقاط، و"ثعلبة" رونار التي لم تكن في محلها إطلاقًا هي ما حرمتهم منها.
التاريخ لا يتذكر إلا كوبر
إذا طرحنا استفتاءًا على الجماهير العربية يسأل أيهما كانت خيبة الأمل الأكبر، خسارة المغرب في الدقائق الأخيرة أم خسارة مصر بنفس الطريقة فلربما يُحدث انقسام واسع. مصر لم تخسر فرص التأهل كليًا مثل المغرب ولكنها رفعت الآمال إلى حد غير مسبوق خلال الستة وثمانين دقيقة الأولى قبل رأسية خيمينيز أشعرت المصريين أن التعادل مع أوروغواي ممكن، وأن تلك النقطة أمام الألبي سيليستي ستكون هي نقطة التأهل لأن الفوز على روسيا والسعودية بعدها بمشاركة صلاح قد يريح المصريين من حسبة فارق الأهداف التي سيتفوق فيها الروس حتمًا.
بالطبع لم يكن أداء مصر أفضل من الأوروغواي، مشاهدة أبرز أحداث المباراة بشيء من الهدوء سيقودك لهذه الخلاصة بالتأكيد، بل ربما تحمد الله أن سواريز لم يكن في يومه - أو في موسمه بالأحرى - لأنه كان السبب الوحيد الذي منع الألبي سيليستي من إنهاء المباراة مبكرًا، لكن إجمالًا يمكنك تلخيص القصة في كون مصر قد قدمت ما يفوق المتوقع والعكس بالعكس لرفاق كافاني.
بمناسبة كافاني فيمكن اعتبار مهاجم باريس المعيار الأهم على جودة المباراة الدفاعية التي قدمها المصريون. تضييق المساحات والتنظيم وعودة تريزيغيه ووردة لمساندة الأظهرة أغلق كل المنافذ أمام دي أراسكاييتّا ونانديز وفاريلا وكاسيريس على الأطراف، وجهد النني وحامد في العمق لم يقابله صانع لعب قوي بالمعنى المفهوم، ولكن بالنظر إلى فرص الأوروغواي الثلاثة الأخطر فكلها أتت من رجل واحد فقط..إدينسون كافاني.
ضمن عملية ترحيل ممنهجة ينضم فيتسينو إلى سواريز كمهاجم ثاني في منطقة جزاء المصريين، بالضبط كما يفعل مع إنتر، هو لاعب غير مُقلق ما دام خلف الكرة، لذا يتبادل مكانه مع كافاني الذي يهبط إلى منطقة التحضير، ومنها صنع فرصتي سواريز اللذين تصدى لهما الشناوي، وحتى الفرصة الثالثة كانت من ركلة حرة سددها نفس الرجل الذي أخذ على عاتقه تكوين شكل هجومي لمنتخب بلاده.
كافاني لم يكن يلاقي أي نوع من الرقابة عندما يهبط إلى المنطقة 14 أو ZONE 14 التي تقع أمام منطقة جزاء المصريين، غلطة قاتلة لكنها مقبولة نوعًا مع فارق الخبرات والكفاءة والوعي التكتيكي بين المنتخبين. ما لم يكن مقبولًا هو إستمرار العشوائية المبالغ فيها كلما خرج الفراعنة بمرتدة نحو مرمى موسليرا، الأمر الذي لم يعالجه كوبر ولا يبدو أنه سيفعل أبدًا. المفارقة الضاحكة في كل ذلك أن أنصار الرجل من مشجعي المنتخب المصري خرجوا بعد الهزيمة ليتحسروا على "الأداء"، نفس "الأداء" الذي سفهوا منه واعتبروه مدعاة للسخرية طيلة مسيرة الرجل مع المنتخب المصري، لا لشيء إلا كون التاريخ لا يتذكر إلا النتائج.
يبقى من العدل القول بأن كل هذه الصراعات الكلامية لن تغير من حقيقة أن المنتخب المصري قدم مباراة بطولية بدون نجمه الأبرز، عسى ألا يمارس هواية العرب المحببة في المونديال ويفرط في النقاط السهلة بعد العروض الجيدة أمام الكبار، في انتظار تونس التي نتمنى أن تمارس هواية العرب المحببة في المونديال وتفرط في النقاط السهلة بعد العروض الجيدة أمام الكبار، ببساطة لأن الفوز على منتخبين كبيرين ممن اعتادوا تخييب الآمال بدورهما - إنجلترا وبلجيكا - قد تعني تأهل نسور قرطاج للدور الثاني مباشرة، حتى وإن خسروا من بنما بخماسية.
المصدر: الجزيرة لؤي فوزي محرر رياضة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *