-->

أحرار العالم يجرون من أجل..اطفال الصحراء الغربية

مخيمات اللاجئين الصحراويين (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)ـ جاء أكثر من
580 عداء وعداءة من القارات الخمس إلى مخيم السمارة للاجئين الصحراويين، قرب تندوف، بالجنوب الجزائري، لـ”يجروا” من أجل “الأطفال” في الطبعة الـ 15 لـ”مـاراطون الصحراء”.
طيلة الأيام الستة التي قضاها هؤلاء الرياضيون اكتشفوا “صبر” شعب وإصراره على حقه في العيش مثل كل شعوب العالم فوق أرضه وتحت رايته الوطنية، ولو أن رئيس الهلال الأحمر الصحراوي، السيد يحيى بوحبيني، صرح قبل انطلاق الماراطون يوم الثلاثاء الماضي أن “الشعب الصحراوي في مخيمات اللاجئين مهدد بمجاعة مخيفة إن لم تسارع منظمات الإغاثة الدولية والجمعيات غير الحكومة إلى نجدته قبل شهر جوان القادم”، حيث يتوقع أن تفرغ مخازن الأغذية، إلا أن العائلات الصحراوية المقيمة في مخيم السمارة للاجئين فتحت أبواب بيوتها للضيوف وآوتهم وأطعمتهم بسخاء، لأن العائلات الصحراوية تعرف أن ضيوفها جاءوا من كل أنحاء العالم ليطلقوا نيابة عنهم صرخة لسكان المعمورة للفت انتباههم إلى آخر مستعمرة في إفريقيا وينجدوا أطفالها المشتتين الذين يتوقون إلى العودة إلى أراضي أجدادهم.
لم يجد مواطن سويدي شارك في الطبعة الـ15 لماراطون الصحراء من وسيلة للتعبير عن تضامنه مع أطفال الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية غير اصطحاب أطفاله الثلاثة معه إلى مخيم السمارة، أصغرهم عمره ثلاث سنوات. كما فضّل عداء أسترالي الاحتفال بعيد ميلاده في المضمار يوم الثلاثاء الماضي تضامنا مع أطفال الصحراء. وفي الوقت الذي جاء الكبار والصغار إلى مخيم السمارة للمحافظة على هذا الماراطون وضمان ديمومته، واصل أطفال الصحراء الغربية حياتهم مثلما يفعلون كل يوم.. يتوجهون صباحا إلى مدارسهم، وينفذون ما يأمر به أولياؤهم بكل طاعة. وبعد الساعة الثانية ظهرا، عندما يغادرون الأقسام، وينتهون من التزاماتهم العائلية يؤمون مقر ولاية السمارة، للقاء أولئك الذين قطعوا آلاف الكيلومترات للوصول إليهم.. أولئك الذين جاءوا من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكوبا ونيكاراغوا والشيلي وجامايكا وجنوب إفريقيا وفرنسا وسويسرا والسويد والدانمارك، وخاصة إسبانيا. وباستثناء الجزائر، فإنه لا يوجد أثر لأي رياضي أو رياضية من الدول العربية. ولا يستغرب الصحراويون هذا الغياب وهم الذين هاجر أبناؤهم وبناتهم، في السنوات الثلاث الأخيرة، الدول العربية التي كانت جامعاتها تستضيفهم لمواصلة دراساتهم. فقد عاد إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف مئات الطلبة والطالبات من الخارج، خاصة من ليبيا، وتركوا دراستهم لأن الأوضاع في هذا البلد العربي ملتهبة. وتحوّلوا إلى مختلف النشاطات في التعليم وغيره ليحافظوا على ذلك التجانس الذي صنع منهم شعبا فريدا في العالم، يقاوم منذ 39 سنة كاملة لاستعادة سيادته. ويندهش الذي شارك لأول مرة في ماراطون الصحراء، للتجند الكبير للإسبانيين لتنظيمه وإنجاحه، حيث لا يقصد الرياضيون الإسبان وحدهم هذه التظاهرة، بل يتنقل معهم إطارات مختصون في التنظيم، ومعهم كل المعدات العصرية التي تحتاجها مثل هذه التظاهرات. كما يتنقل معهم أطباء ومسعفون، وكل ما تحتاجه هذه التظاهرة من تأطير بشري. ولا ينزعجون إطلاقا من الحرارة والغبار، ولا من النوم فوق الأرض أو أكل ما حضّره لهم مستضيفوهم من العائلات الصحراوية. ويحرص السيد نينو مونيز، مدير الماراطون وهو إسباني الجنسية، على كل صغيرة وكبيرة مع فريقه المتكوّن أيضا من رئيس الاتحادية الصحراوية لألعاب القوى، المتخرج من معهد التكنولوجيا الرياضة بعين الترك بوهران، وغيرهم من المؤطّرين الذين يسهرون على راحة الضيوف، ويعلمون جميعا أن هذه التظاهرة تزعج كثيرا من الأطراف، منها الأوروبية والعربية، التي لا يهمها أن يموت الأطفال جوعا أو تحت قصف المدفعيات أو الطائرات وغيرها من وسائل الحرب والقتل.
كما يقطع هؤلاء المواطنون الإسبانيون، سواء كانوا منخرطين في جمعيات أو أحرار، مئات الكيلومترات على متن شاحنات محمّلة بالمؤن والأدوية والألبسة التي يجمعونها على مدار العام للأطفال الصحراوين. ربما ليتبرأوا مما فعلته مملكتهم عندما “سلمت” الصحراء الغربية للملكة المغربية.

أميدان صالح حماتو.. العداء الرمز 

يعتبر الشبان الصحراويون الملتزمون بالقرارات السياسية لقيادة دولته هذا الماراطون المستمر منذ 15 سنة إحدى النوافذ التي يسمعون بها صوتهم للعالم، كما يعتبرونه أيضا فرصة لتحقيق ما يحققه ابن وطنهم العداء العالمي أميدان صالح حماتو. هذا الرياضي الذي عرضت عليه العديد من دول العالم، منها فرنسا وإسبانيا، أن يحمل جنسياتها، ويجري تحت ألوانها، لكنّه رفض وبقي وفيا لوطنه، رغم أن “المنظومة الرياضة العالمية” لا تسمح له بالمشاركة في المنافسات الراضية الرسمية لأنه صحراوي وبلده غير منخرط في تلك المنظمات. وينتظر الصحراويون أن يبهر صالح العالم في أول مشاركة للصحراء الغربية في الألعاب الإفريقية القادمة. ولا يختلف صالح عن غيره من أبناء وطنه، ويتنقل من منفاه كل سنة إلى مخيمات اللاجئين للمشاركة في الماراطون. وحقق هذه السنة أيضا المرتبة الأولى في سباق الـ10 كيلومترات بكل سهولة. وفعل مثلما يفعل نجوم الرياضة المتواضعون عندما أنهى السباق، رفع علم بلده وأخذ صورا مع كل من طلب منه ذلك. ويحظى هذا الرياضي باحترام كبير، خاصة بعد الذي حدث له عندما قرر زيارة أهله في الصحراء الغربية المحتلة، وتعرض إلى ما يتعرض له الصحراويون في مطارات المملكة المغربية التي لا يملك خيارا آخر غير عبورها.

الضيوف المقدّسون 

ويعيش الصحراويون من حين إلى آخر أحداثا “مؤلمة” يحتفلون بها ويقتربون من تقديس أبطال وبطلات تلك الأحداث، عندما يستقبلون في مخيمات اللاجئين قرب تندوف ضيوفا قادمين من الأراضي الصحراوية المحتلة. وهم الضيوف الذين لا يترددون في مواجهة ما لا يمكن تصوره من المتاعب والعذاب للوصول إلى أهاليهم في المخيمات. عندما يصل الضيف القادم من الأراضي المحتلة تحتفل به كل العائلات المقيمة في المخيم الذي يقصده، كأنما تقيم له أو لها حفل زفاف. ويسمع كل سكان المخيم بقدومه، وينصبونه “بطلا” لأنه تحدى ما يعرفه الجميع من متاعب، حيث يخضع للاستنطاقات البوليسية والتعذيب والاعتقال والسب والإهانات. ويضطر في كثير من الأحيان للجوء إلى الإضراب عن الطعام، فقط لكي ينتزع حقه في “صلة الرحم” وزيارة أهله اللاجئين. ويعرف هذا المسافر مسبقا أنه سيذوق نفس ما ذاقه من عذاب عند عودته إلى أرض أجداده.

الكرم تحت الرعاية السامية للسيدات

إن أكثر ما ينبهر منه زائر مخيمات اللاجئين الصحراويين كرم سكانها، رغم قساوة يومياتهم في الصحراء. هذه المخيمات مترامية الأطراف في تراب ولاية تندوف، متكونة من سكنات طوبية، تتوسطها خيمة رب الأسرة وتحيط بها مساكن أبنائه وبناته. ففي بيت السيد أحمد تحرص زوجته السيدة مريم جدو على ضيوفها كما تفعل الأم مع مولودها الجديد. ويساعدها في ذلك ابنها الوحيد الذي بقي معها في المخيم، محمد الناجم، التلميذ في السنة الأولى متوسط، إذ إن إحدى بناتها التي كانت تدرس في جامعة ليبية غادرت هذا البلد وعادت إلى المخيم، حيث تزوجت وتنقلت السنة الجارية إلى جامعة وادي سوف في الجنوب الجزائري مع زوجها لمتابعة دراستهما، في حين يقيم ابنها الآخر في ولاية المسيلة، حيث يتابع دراسته في الثانوية. وتحرص هذه العائلة على تسهيل إقامة ضيوفها إلى أن يغادروا المخيم.
ويلاحظ زائر مخيم اللاجئين ذلك الوقار الذي تتميز به المرأة الصحراوية، التي تتنقل بكل حرية ملتحفة رداءها التقليدي. وينكسر ذلك الانطباع الخاطئ عندما يعرف أن تلك المكانة تتمتع بها المرأة الصحراوية من موقعها ضامنة لاستمرار النسل والهوية الصحراوية، حيث تتزوج المرأة مبكرا ولا تتوقف عن الإنجاب، وتصير جدة وعمرها 30 و35 سنة. تفعل ذلك لأن “المستعمر يريد أن يمحي الصحراويين من خريطة العالم” كما تقول السيدة محجوبة. وتضيف: “إننا نخوض نضالا من أصعب النضالات في العالم. ولابد أن يأتي اليوم الذي يعود فيه إلينا حقنا في العيش في بلدنا. ولن نتردد في تقديم أية تضحية من أجل ذلك. ونجدد سنويا الأمل في إقامة هذا الماراطون فوق تراب وطننا. سيأتي ذلك اليوم لا محالة”.
المصدر/ الخبر الجزائري ـ مبعوث "الخبر" لحسن بوربيع

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *