-->

عفوك الشهيد خطار سعيد الداف ... الشهداء لا يموتون !!!

ونحن في زحمة ومعمعان هذه المتــغيرات الجوهرية التي تعيشها القضية الوطنية، دوليا
و جهويا ووطنيا، مما جعل أبناء شعبنا تشرئب أعناقهم مشدوهين في عملية تفاعل طبيعي، يتابعون بحماس ووعي التطورات المــتلاحقة بوتيرة متسارعة، وبشكل غير مسبوق، لما يحدث في مجلس الأمن وتداعيات موقف النظام المغربي، كموقف نشاز، وكيف إنتقل من دائرة الصراع مع الاتحاد الإفريقي وهياكله، والمنظمات الحقوقية الدولية المعروفة بما فيها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحزب النهج الديمقراطي وإعلاميين مغاربة شرفاء، والاتحاد الأوروبي وبرلمانه وقضاءه ودول أمريكا اللاتينية، وشمال أوروبا وكذا المبعوث الشخصي للأمين العم للأمم المتحدة السيد روس كروستوفر ، وغير ذلك من البرلمانات القارية و الوطنية والجهوية والصحفيين، إضافة إلى طرد الآلاف من المراقبين الدوليين، ليمتد ذلك الموقف إلى دائرة أعنف وأكثر جلاء وتعقيدا لموقفه الأخرق ولشذوذه هذه المرة، بصراعه مع الأمين العام للأمم المتحدة ، مما عمق عزلته وإحراجه الكبيرين على المستوى الدولي.
وبالنتيجة يكتمل المشهد المنقوص والذي أسقط عنه كل الأقنعة واللبوس، ليعطي لتموضعه السياسي والايديولوجي ذو النزوع التوسعي ،خانته الحقيقية للصراع الطبيعي والموضوعي مع المجتمع الدولي، وبالتالي تكرست صورة أكثر وضوحا للعالم، كون النظام المغربي شاذا ومحتلا بالمعنى التاريخي والقانوني والأخلاقي للكلمة، مما تسبب في مآسي وكوارث ليست للشعب الصحراوي كمتضرر مباشر فقط، بل أضَر بشعوب المنطقة المغاربية برمتها، في اغتيال واضح لطموحها المشترك، في بناء مغرب مغاربي قوي ومتجانس يسوده الإحترام المتبادل، بما يضمن الكرامة والعيش الكريم لأبنائه.
وفي ظل هذه التبدلات والتحولات المكثفة، التي تؤشر لانعطافة و لأفق جديد بالتأكيد، مع صعوبة تلمس ومعرفة ملامحه ودرجة حدوده على الأقل لحظيا، تشهد الأراضي المحتلة ومناطق جنوب المغرب، هذه الأسابيع حركية نضالية لازالت في مهدها، ولكنها بدأت تبعث الحياة لهذا الجزء من الجسم النضالي بالداخل، الذي شُل لسنوات عديدة لأسباب معلومة، وبدأ يسترجع جزئيا، بعده الشمولي والوحدوي وسياقه الجماهيري والشعبي، والمؤطر بتصور موضوعي لا يخفي عمقه السياسي، من خلال تمظـــهرات بارزة ودالة، تجلت في تحرك فئة الأطر المعطلة الصحراوية بكل المدن الصحراوية، عبر أجرأة خطوات نضالية أكثر تنظيما و جرأة وتصعيدا، كان من بينها الإضرابات عن الطعام والمسيرات والوقفات الاحتجاجية، وكذا عائلات المعتقلين السياسيين الصحراويين والطلبة والتلاميـــذ والفئات الصحراوية الهشة والمحرومة ، إضافة للإضراب البطولي والتاريخي لمجموعة اكديم ازيك، ومرافقته بسلسلة الإضرابات التضامنية للمعتقلين السياسيين الصحراويين بكافة السجون المغربية، ونفس الأجواء الإيجابية وبذات الزخم تنسحب على مخيمات اللاجئين الصحراويين والأراضي المحررة، والجالية الصحراوية بمختلف تواجداتها.
بمجملها أوضاع وسياق مغاير، جعل القضية الصحراوية تتصدر الاهتمام الدولي، ودحضت بذلك وهم وخرافة لطالما سكنت وعششت حد العفن الذهنية المغربية، بهامشية القضية الصحراوية في أجندة العالم، واعتبارها قضية منسية، أو مطوية بالتعبير السياسي والإعلامي المخزني المغربي، ورهانه الدائم و الخاطئ على طول عامل الزمن، مؤسسا ذلك أي ـــ النظام المغربي ـــ على بروز بعض الارتدادات والإنزلاقات الجانبية، التي عاشتها الثورة الصحراوية ـــ كحركة إنسانية تخترقها كل الأفكار وهذا طبيعي ــ في بعض مراحلها المتفاوتة إعتقادا منه ، أن هذه الأخيرة ستنتهي بالنهاية البيولوجية والطبيعية للجيل المؤسس لحركة التحرر الوطني حركة البوليساريو ، أو تتفجر من الداخل نتيجة تناقضاتها التي تعتمــل في بنيتها حسب التأويل المغرض للنظام المغربي ....
ولكن كما يقول الزعيم الثوري لينين " الحقيقة ثورية بطبيعتها " وهي التي تفجرت في وجه النظام المغربي، بكون الثورة الصحراوية كما قال الشهيد الولي مصطفى الـســيد بشكل وثوقي بالمــعنـــى العلمي للكلمــة : هي أجيال تتلاحق على الثورة الصحراوية ، مما يعني استمرار وتواصل الأجيال في بعده الفكري والسياسي، على قاعدة نفس الثوابت والأساسيات الوطنية، وهذا هو الجوهر بغاية تطويق أي قطيعة بمعناها الفلسفي الإبستمولوجي والتاريخي، الذي يمكن أن يحدث أي تصدع ما في المسار الإنــبـــنائي للثورة الصحراوية. 
كل هذه الاضاءات والمكاسب العظيمة التي تحصدها القضية الوطنية هذه الأيام، لم تسقط من السماء ولم تكن منــحة أو هدية من المخزن المغربي، بل هي تتويج لتضحيات جسام لا حدود لها للشعب الصحراوي، وفي الطليعة شهداءه الأخيار والذين عبدوا هذا الطريق بدمائهم .
مناسبة هذا الحديث وأسباب النزول ، هو إستشهاد شهيد عظيم هو الشهيد بشار سعيد الداف الأسبوع الفارط، ولم أســـتــســغ أخلاقيا وسياسيا ، أن يمر استشهاده كخبر عرضي روتيني يكتفي بالتعزية فقط ، كأن الأمر يتعلق بشخص عادي لم يترك بصمته البارزة في مسارنا السياسي والوطني.
صحيح بأن هناك مستجدات متواترة ، وما تفرضه من التزامات وضغوطات جمة ، ولكن هذا لن ينسينا أبدا، أو يجعلنا نغفل صناع وجودنا السياسي ، ومن كان لهم الفضل بنقلنا من حالة العدمية واللاوجود إلى حالة الوجود، بكل أبعاده المختـــلفة، وهو ما يعطي كل المشروعية لضرورة إستحضارهم، باعتبارهم أولا : من صاغوا لحظتنا السياسية بكل انتصاراتها وعنفوانها الحالي وأسسوا لها، وثانيا : كمرجعية تلهمنا ونستقي منها كل مضامين العفة وقيم السمو و النبل والخلود بمعناه المعنوي، وفي مقدمتهم الأسطورة الشهيد الولي مصطفى السيد، وزعيم المقاومة الوطنية الصحراوية، المختطف محمد سيد إبراهيم بصيري، وآخرهم ولن يكون الأخير الشهيد بشار سعيد الداف وغيرهم كثير...
أفتح قوسا هنا، لأشرك القارئ في نازلة لها دلالتها القوية، أتذكرها بدقة في أول زيارة لمخيمات اللاجئين الصحراويين ضمن مجموعة من المناضلين الصحراويين عام2009، و كان لنا كل الشرف والإعتزاز بزيارة مركز " الشهيد الشريف " حيث يوجد مجموعة من عظماء هذا الشعب من جرحى ومعطوبي الحرب التــحررية الوطــنية، وكان من ضمنهم الشهيد بشار سعيد الداف ، حيث كان ينـتظر زيارتنا هو ورفاقه بفارغ الصبر، وهيأ كل ما يعبر عن حسن الضيافة وزيادة، عاكسا سلوكا اجتماعيا مثاليا و متأصلا، فقبل أن نكمل تبادل التحية والسلام، بادر أحد الإخوة " من ضمن وفد الأرض المحـــتـــلة " متسائلا دون أن يترك للرجل والمجموعة الزائرة، بأخذ نفس، وقال له بالحسانية: أنت ولـــد مــن ؟ فرد عليه الشهيد بشار بسرعة وكأن جوابه جاهزا : أنا ولـد الصحراء، وهو جواب لم يكن من باب المزايدة وغياب اللباقة للشهيد بشار سعيد ، ولكن الرجل الذي يشكل نموذجا ساطعا للشهيد الحي لا يرى في نفسه إلا إبــنا وملـــكــا جماعيا ومشتركا من الناحية الأخلاقية للشعب الصحراوي برمته، ويرفض الانتساب لأي عائلة بيولوجية مهما كان قدرها وتموضعها الاجتماعي لدى الصحراويين .
إن الشهيد بشار سعيد فاجأنا بتبسيط ما يجري بالتفــصيل بالأرض المحتلة ومناطق جنوب المغرب، وتحدث بثقة مفرطة وبمعنويات فولاذية وهو طريح الفراش مشلولا منذ 1981، ولكنه لم يتأثر مطلقا بكل الــزوابع والظواهر السلبية، مهما كانت درجة سلبيتها والتي كانت محايثة ولا زالت للثورة، معطيا النموذج المثالي للمناضل المبدئي والعقائدي والطهراني، و الذي غاب عنا جسديا فقط، ولكنه حاضر بفضائله ومناقبه وبقوة،كمنارة من منارات الثورة الصحراوية العملاقة.
وبالتأكيد بمساره الكفاحي و الإســــتــثـــنـــائــــي، يشغل هذا الشهيد العظيم وسيبقى كذلك، يغطي مساحة معنوية شاسعة وممتدة عميقا في الذاكرة الجماعية الصحراوية لشعبنا، لذلك ألــتمـــس العذر من رفاقي الأعزاء مجموعة أكديم إزيك استئذانهم،أن أستبدل صورتهم التي وضعتها كصورة شخصية في صفحتي على الفايسبوك منذ انطلاق إضرابهم عن الطعام، بصورة الشهيد بشار سعيد لدوره التاريخي في الإسهام في صياغة وبناء هذا المسار، وهذه اللحظة السياسية المشرقة والمشعة من تاريخ شعبنا العظيم، ولا خير في شعب لا يقدس ويكرم صناع وبناة تاريخه .
ومن جديد تتأكد مقولة أن الشهداء لا يموتون، بل أحياء حياة الخلود في مخــــيال و ذاكرة الشعوب والأمم.
علي سالم ولد التامك
سجين الرأي الصحراوي السابق
آســــــــــــــــــــــــــــــــــا
23 مــــــــــــارس 2016
مقال بقلم سجين الرأي الصحراوي
علي سالم ولد التامك

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *