-->

أيـــــــــــــن ذهــب كل المـــثــقــفــين ؟

مـــــــقـــال : بقلم علي سالم ولد التامك


مـــــــقـــال : بقلم علي سالم ولد التامك

قــــــراءة أولية في بيان /توجه الأطر الصحراوية العليا باسا والزاك
تحت عنوان :
أيــــن ذهــب كل المـــثــقــفــين ؟

على إثر البيان الصادر عن تـنسيقية الأطر العليا للمعطلين الصحراويين باسا والزاك ؛والذي كان بلغة سياسة واضحة وقوية، تجاه الأوضاع العامة بالمنطقة ككل ، بما فيهاالتصريحات الأخيرة للسيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، وذلك بمناسبة تنظيم الإطار المذكور لوقفة احتجاجية ،مساء يوم الخميس 24 مارس 2016، أمام مقر الفرعالمحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بآســــــا ، تضامــنا مع معتقلي إكديم ازيك، في معركة الأمعاء الفارغة بالسجن المحلي سلا 01 ، و كذا معتقلي الصف الطلابيالصحراوي بالسجن المركزي لوداية بمراكش، الذين يدشنون الأسبوع الثالث من إضرابهم المفتوح عن الطعام ،ومع كافة المعتقلين السياسيين الصحراويين بالسجون المغربية .
هذا البيان دفع المخزن المغربي وأجهزته باسا والزاك دفعا ، إلى عقد سلسلة من الاجتماعات مع بعض " الشيوخ والمقدمين ،باعتبارهم أعوانا إداريين للإدارة المغربية "للضغط على عائلات المعطلين الصحراويين، وتهديدهم بحرمانهم من حقهم في الشغل ، والاستفادة حسب زعم وافتراء هؤلاء المسؤولين المغاربة بآسا، بكون الحصة المخصصةلمنطقتي آسا و الزاك ، قاب قوسين أو أدنى من وصولها حسب ادعائهم ، والتي أضع صحتها بين ملايين الأقواس ؛لأنها مجرد مسكنات مؤقتة أَمْلَتْهَا ظروف موضوعية ضاغطة ،لاتحتاج الى عناء فكري ، لفهم سياقها اللحظـــي وتوقيتها السياسي الواضح.
الموضوع ببساطة ، يتعلق باختيار الرفاق، في تــنسيقـية الأطر العليا الصحراوية المعطلة باسا والزاك، الانتقال من النضال الفئوي والحلقي ، إلى النضال الجماهيري الشعبي ،بمحض إرادتهم ووفق تصورهم السياسي لطبيعة الظرف، وما يقتضيه من تحرك في فضاء أوسع وأرحب، يلتقون فيه مع كافة الفئات الصحراوية ذات الطبيعة والوضعية الهشة؛ نساءاو شيوخا ومتقاعدين ومعاقين...وكذا عائلات المعتقلين السياسيين الصحراويين ،طلبة ،مجازين ،تلاميذا ،مطرودين من العمل الوظيفي، عمالا، موظفين ،معتقلين سياسيين صحراويينسابقين، مدافعين صحراويين عن حقوق الإنسان ،نقابــيــيــن ،مهمشين وغيرهم من المكونات الاجتماعية المتضررة الأخرى ... بمعنى آخر وجود قناعة مؤسسة ،وهاجس يستبد بهملإنجاح أي شَكْلٍ نضالي، تـنسيقي يستجمع كل الآراء والقراءات والطاقات ،في بوتقة واحدة وموحدة، في صيغة جبهة عريضة للنضال الجماهيري الصحراوي، تحت عنوان كبيروعريض، وهو الرفض المطلق لكل أشكال امتهان كرامة الإنسان الصحراوي، وترجمة ذلك الرفض عبر التصدي إجرائيا، بكل الأشكال النضالية المشروعة والسلمية، لمحاولة اغتيالهذه الكرامة، والترافع من أجل احترامها وصيانتـها ،من خلال جميع المسلكيات المتاحة ،في علاقة مع المنظمات الحقوقية الصحراوية والمغربية و الدولية، وكل الجهاتوالمنظمات و الديمقراطيين في كل أصقاع العالم .
هذا بالضبط ما يزعج النظام المغربي، و امتداداته بمنطــقتي آسا والزاك ، لأنه اشتغل منذ سنوات طويلة ، بشكل استراتيجي ولا يزال ، في إطار مقاربة إرشاء وإفساد المجتمع،كجزء بنيوي من نسق وفكر الأنظمة الشمولية ، عبر تفريخ الجمعيات والأحزاب والمجتمع المدني الصوري،تحت مسميات متعددة؛ لضبط وتَلْجــيم أي حركية مجتمعية شريفة وصادقة، ومحاولة التأثير فيها، وجعلها قنوات ظِلٍّ ؛ لتصريف مواقفه ومخططاته الملغومة ، وإغداق كل ما يملك من إمكانيات مادية تحت يافـــطة " الإقتصاد الإجتماعي المدعوممن مشاريع المؤسسات المالية الدولية " وبشروط جد مجحفة، مستغلا ظروف العوز والحاجة المادية للغالبية العظمى، من الساكنة الصحراوية لأسا والزاك، بغاية القضاء علىالنضال، بغض النظر عن دوافعه السياسية والإيديولوجــية بهذا الجزء، و بمحايثة مع ذلك ، بَشَّرَ بنهاية النضال على وزن نهاية التاريخ، وحاول عرَّابوه الجدد، أن يؤطروه في قالبنظري مُؤَدلَج منخور وممجوج، لإضفاء الشرعية على ممارسات وسلوكات التطبيع والتراجع والإرتــــداد والارتزاق ،ومنظومة من القيم السلبية المدمرة المبنية على الذات والأنا ،لإقبار أي فكر ينزع نحو التفكير الجماعي ...
و أمام هذه الحركية، التي بدأت تشق طريقها، وتخطه بثبات و بعزيمة المناضلات والمناضلين الصحراويين الشرفاء ،الذين يدركون الطبيعة والدور التاريخي للنضال الإنسانيالمشروع ، كونه يتبلور وينمو وتزداد دائرته اتساعا وشساعة، في ظل وجود الآلاف المؤلفة من المحرومين والمهمشين والمضطهدين والفقراء، وجماهير يُصادَر حقها في تقريرمصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، هذه الديناميكية، التي لا تخــفي ملامحها وأفقها النضالي، أضحت أكثر جذرية وتنظيما وتأطيرا وعمقا، لذلك وجد المخزن المغربي نفسه مدفوعا، عبر كل آلياته التقليدية والمستحدثة لمحاولة ـــ على الأقل بعد عجزه في فرملتها ــ جَعْلِهَا تكتيكيا من موقعه ،حركية متشظية ومجزأة، على حلقات منفصلة ومتباعدة عن بعضها البعض في النضال، أي كل مكون إجتماعي، يتحرك بمنأى عن الشرائح الأخرى" المتقاعدون والمعطلون والمجازون والأطر الصحراوية العليا وباقي التخصصاتالأخرى ،وعائلات المعتقلين السياسيين الصحراويين، المتضررون من انقطاع الكهرباء والماء وغلاء الفواتير والمطرودون من العمل الوظيفي هذه الأيام والمناهضون لاختلاس المالالعام والأرامل والثكالى والأيتام والمطلقات وضحايا الحرب والممارسات التعسفية واللاقانونية للسلطات المغربية ... وغيرها من المكونات والفئات الإجتماعية الصحراوية الأخرى "
ولكن نُضج الفاعلين وتقاطعـهم في مجموعة من الخطوات النضالية الأخيرة، دفعت جزءا أساسيا من هذه الفئات، لخوضها بشكل مشترك وتدريجي، ارتقى بها موضوعيا، لمرتبة الفعل الجماهيري، لأنه المسلك والممر الوحيد الذي يَخْلُقُ فعلا كفاحيا وازنا ،وقادرا على الضغط على المخزن المغربي، للاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للجماهيرالصحراوية، بعيدا عن إنهاك الذات المناضلة الجماعية، واسـتـنزافها بمعارك نضالية فئوية بصرف النظر عن مشروعيتها ، والتي قد تعطي فرصة للنظام المغربي، لإجهاضها أكثر منقدرتها على التأثير الإيجابي، في موازين القوى لصالح الحركة النضالية، في صراعها مع المخزن المغربي.
صـحــيـــح قد تشكل هذه المبادرات النضالية، فعلا تراكميا وضروريا إذا شئنا، ولكن عندما لا تصل هذه الحركية الكفاحية إلى مستوى استيعاب كل المكونات المقهورة ؛والاشتغال على ملف مطلبي موحد، ترتب فيه الأولويات، بعد نقاش ديمقراطي تقريري، يكون قاعدة وأرضية لديناميكيتها، فإن هذه الحركة الإحــتجاجية، ستكون محدودة الـتأثير وبِنَفَسٍ قصير جدا، لأنها عجزت أن تشكل وعاءا وحاضنا لكل التعبيرات الاجتماعية القائمة والمتباينة؛ ومن ثمة تأطيرها كقوة اجتماعية انفجارية، وتحصينها من أي منزلقات محتملة، في إطار ضبطها وانضباطها، لتصور يخرجها من دائرة طغيان منطق التَّفْييئ النضالي أو النضال الفئوي .
ما يمكن استنــتاجه، أن النضال الجماهيري ذو البعد الشعبي ،في شكل انتفاضات شعبية، ومسيرات ومظـــاهرات متحركة وثابتة، هو الشكل الراقي والمتقدم، من النضالالجذري، وبانخراط مكون المعطلين الصحراويين، حملة الشواهد العليا كمكون أساسي" دكتوراه، ماستر، إجازة " ، وبقية الشواهد و التخصصات التقنية الأخرى، في هذا الحراكالحالي، وفي كافة المناطق المحتلة ومناطق جنوب المغرب ، ومحاولة تأطيره وقيادته ،سيقطع بالتأكيد ،مع نمط الارتجالية والحلقية والشعبوية والسطحية ، وإنتاج الرداءة وموضةالحَــقْـحَـقَــة، وغيرها من مظاهر العطب والثقوب ... ،ويعطي بتواجد هذه الفئة المثقفة والمتنورة، المصداقية والعمق السياسي والنضالي والإيديولوجي لهذا المسار والديناميكية،وبالتالي تضطلع هذه الفئة بدورها كمرجعية، انطلاقا من مهمتها التاريخية والنضالية ،في الالتصاق والتفاعل مع هموم وأوجاع والآم الجماهير المحرومة، تــجسيدا للمعنى الفعليلمفهوم الفيلسوف الايطالي " أنطونيو غرامشي " للمثقف العضوي والملتزم ، واسترشادا كذلك بالنموذج والقدوة الوطنية الشهيد الولي مصطفى السيد ورفاقه الطلبة ، والمختطفمحمد سيد ابراهيم بصيري ،وغيرهم من المثقفين والطلبة والتلاميذ، الذين استرخصوا أنفسهم في سبيل الانسجام مع قناعاتهم ومعتقداتهم ، وهم في طليعة ومقدمة الفعل الوطنيالكفاحي التحرري الصحراوي.
وكخلاصة مركزية لهذه القراءة ، ولإشراك القارئ والمتتبع في هذا النقاش، فنحن في مسيس الحاجة، للنخب الصحراوية المثقفة الجادة، القيمة العلمية والفكرية ، لكي تنتج الشعار، وتصوغ النظرية والبدائل والمشاريع المجتمعية، لإغناء الثورة ، لأن الثورة وحرب التحرير ـــ كما قلت في مناسبات سابقة و في محاولة لإزالة الأتربة عن الدهماء والغوغاء ــــ أن من يقودهما ليست المشاعر مهما بلغت صدقيتها ،ولا الانفعالات مهما وصلت درجة غضبها وقوتها ، بل بالفكر والعلم، اللذان يـسعــفاننا على توفير شروط وضوح الرؤية السياسية ، وإضاءة زمن طويل من السنين ،والثورات بالتأكيد عبر التاريخ الإنساني ، تم حقنها بحقنة الفكر والثقافة والفلسفة ،ولا يتسع المقام هنا لكي نستشهد بدور المثقفين الطلائعيين في كل الثورات ،وكيف أحدثوا كل هذا الزلزال من المتغيرات في مسار الإنسانية ،والثورة الصحراوية لا تشذ عن هذا الإطار ، لها إرثها النظري والفكري، الذي نستــند عليه كمرجعية وقاعدة للتحليل واستنطاق الواقع الوطني والموضوعي،ولها قاماتها وأهراماتها كذلك، وفي مقدمتهم الشهيد الولي وبصيري وغيرهم كثير ،ولكن طبيعة ومسار البناء المعقد والمستعصي للمشروع السياسي وانتظاراته الكثيرة ، والمنعطف الهام الذي تمر منه القضية الوطنية، في هذه اللحظة السياسية ، والتي تضغط وبشكل أكثر إلحاحا من السابق ، يحتم على هذه النخب من الناحية الاخلاقية والتاريخية ،امتشاق الهموم النظرية والسياسية ، وترجمتها الى مواقف والتزامات أكثر ملموسية، والتي لا ولن نقبل فيها غياب "ذاتيا" أو تغييب "موضوعيا" المثقف الصحراوي ،وتشييعه نهائيا لمثواه الأخير، مــثوى الصمت والانطواء ،مثوى اللافعل والعجز ،والانتظارية السلبية ،والاستقالة المفروضة أو الاختيارية .
بالنهاية لن أصطف في هذا المقال ، وهذه اللحظة السياسية لمحاذير الروائي الفرنسي " جوليان بندا " باستحضار عنوان كتابه " خيانة المــثـــقــفــين " ،ولكن سأردد مع الكاتب البريطاني " فرانك فوريدي " نظرا لحالة التشابه والتماثل ، وذلك بطرح سؤال كبير وعريض ، والذي ينتصب تلقائيا وبصيغة مقلقة و بحرقة كبيرة في آن واحد ،باستعارة عنوان كتابه ، أيـــن ذهب كل المثــقـفين ؟؟؟ المثقفون إرتباطا بالسياق الصحراوي أعني.
وكما قال المفكر لينين : لا توجد ثورة ولا حركة نضالية بدون نظرية ثورية
علي سالم ولد التامك
سجين رأي صحراوي سابق
العيون / 09 أبريل 2016 
ملحوظة:
كلمة الحقحقة : محاولة ممعنة في جعل كل الفاعلين الصحراويين، بمختلف مستوياتهم وبدون اســتــثــناء، حقوقيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، دون مراعاة للمقاييس والشروط، التي يتوجب توفرها ،في هذا الفاعل والناشط الحقوقي.
النضال الحلقي: يُعنى به، ذلك النضال الذي يقتصر على مكون فئوي تنظيمي لوحده، والمنطوي على نفسه، بشكل منغلق وضيق في المطالبة بحقوق عامة، تعني فئات عريضة ،والتي تـبقيه في النهاية، أسير تلك الحلقة والشرنقة؛ التي تعزله في وقت، هناك إمكانيات هائلة لإنجاح واستثمار النضال الجماهيري .

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *