-->

لم تمت، سيدي الرئيس، فالشهداء لا يموتون


لم تمت، سيدي الرئيس، فالشهداء لا يموتون مناجاة إلى الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز
لم تمت سيدي الرئيس، فالشهداء لا يموتون. الشهداء أحياء في قلوب الناس، و أحياء عند ربهم يرزقون. سيدي الرئيس، أنا على يقين في هذه اللحظات التي أكتب فيها هذه الكلمات بحبر ممزوج بالدمع و الألم، أنا على يقين أن الملائكة تحفك بأجنحتها، تبتسم فرحا لذلك كابتسامتك و أنت تحيي عموم الصحراويين. سيدي الرئيس، نم قرير العين، لا تحزن، نم مرتاح البال، فالصحراويون و الصحراويات في كل مكان بكوا لفقدك، حزنا لأنهم فارقوا عزيزا سكن الروح و العقل، و بكوا فرحا لأنهم على يقين أنك ستكون حاضرا بينهم أبد الدهر، فالشهداء، عزيزي الرئيس، لا يموتون. نم قرير العين، مرتاح البال و لا تحزن لأنك قمت بالمهمة بالشكل المطلوب، بالشكل الجيد إلى حدود الكمال. لم تتعب في خدمة الشعب و القضية، و لم تتذمر، لم تستسلم لأنك كنت مسكونا بحتمية النصر. كنت ترى النصر بين عينيك، قاب قوسين أو أدنى، تتحسسه بقلبك الذي اتسع لكل الأشياء و لكل الناس. سيدي الرئيس، ثق ثقة تامة، مطلقة لا يروادها شك من أي نوع، أن الشعب الصحراوي عرف الطريق بفضلك، فلم تذهب هكذا، بل ذهبت بعد أن حددت المعالم و رسمت المسار. الصحراويون بعدك، سيعرفون الطريق السالكة نحو الحرية و الإستقلال. سيدي الرئيس، بدون كلل و لا ملل، كنت ترعى بناء المؤسسات. بنيتها بالدم أولا عندما كنت مقاتلا في جيش التحرير الشعبي الصحراوي، ثم بالعمل السياسي الدؤوب و المثابر، دون كلل و لا ملل عندما أصبحت أمينا عاما للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب و رئيسا للجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية.
بالجهد و التضحية و نكران الذات بنيت، مع رفاقك الأحياء منهم و الأموات و عموم الصحراويين و الصحراويات، بنيت الدولة، و المؤسسة السياسية، و المؤسسة العسكرية. بنيتها بإتقان إلى حد الوقوف على التفاصيل، كأنك على يقين انك راحل في أي لحظة، أو أن رفاقك الشهداء كانوا يأتونك كل ليلة لخيمتك ليسائلوك عن الأمانة التي وضوعها بين يديك و كان لزاما عليك أن تقوم بالمهمة على أكمل وجه. وها قد رحلت سيدي الرئيس. دون سابق إنذار، برفق و دون إزعاج. رحلت بتواضع، دون ضجة و لا ضوضاء. كنت حاضرا، سيدي الرئيس، هكذا بتواضع و أصررت على المغادرة بتواضع كذلك. لكن و قبل أن تغادر، أصررت على التأكد من أن الأدوات التي بنيتها، مع عموم الصحراويين، بالجهد و التفاني و الإخلاص، أصررت على التأكد من أنها جاهزة و مصنوعة بإتقان، و عندما أدركت و أطمأنت نفسك، غادرتنا مرتاحا، و كأني بك سيدي الرئيس، أردت أن تترجل لترتاح قليلا من عناء سفر طويل. لم تكن المؤسسات الثلاث التي بنيتها مع الصحراويين و الصحراويات بالدم و العرق هي الزاد الوحيد الذي تركته لشعبك. بل تركت، سيدي الرئيس، القدوة في شخصك نبراسا لكل من أراد الخلود. لقد أردته، سيدي الرئيس، و فزت به قبل أن تغادر مهديا روحك فداءا لشعبك. سيدي الرئيس، أنت الآن، كن على يقين من هذا و لا يراود ذهنك ذرة من شك، في قلب كل صحراوي و صحراوية، و ليس هذا فقط، بل في قلب كل أحرار العالم. أظن أنك كنت تدري ذلك و أردت أن تصنع خلودك بإتقان كذلك كما صنعت كرامة شعبك. لن أنسى ختامك لخطابك أمام أفراد جيش التحرير الشعبي الصحراوي في السنة الماضية، عندما قلت: "كل الوطن أو الشهادة". أكنت تدري لحظتها أنك راحل عنا عما قريب؟
نم سيدي الرئيس، نم قرير العين مرتاح البال. اتدري أن الأطفال الصحراويين بكوا هم بدورهم لفقدك. كأن العالم أصبح ضيقا على الكل و فارغا. و هو ضيق و فراغ ملآ أرواح الصحراويين. كأن كل واحد منهم يحمل جذوة من روحك، فارقته بفراقك و شعر بحالة من النقصان دفعت الكل للبكاء و الحزن، حتى الأطفال سيدي الرئيس شعروا بذلك و بكوا، بكوا بحرقة منقطعة النظير.
نم سيدي الرئيس، نم قرير العين مرتاح البال، فأنت لم تمت فالشهداء لا يموتون.
04 ماي 2016 العيون المحتلة
منصور إبراهيم السالم (مدير المركز الصحراوي للإعلام و التواصل)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *