-->

نص خطاب الامين العام لجبهة البوليساريو بمناسبة الذكرى الواحدة والأربعين للوحدة الوطنية


ألقى اليوم الأربعاء رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو السيد إبراهيم غالي كلمة بمناسبة الإحتفال بالذكرى الواحدة والأربعين للوحدة الوطنية.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة ضيوف الشعب الصحراوي،
الإخوة والأخوات،
نخلد اليوم الذكرى الواحدة والأربعين لقيام الوحدة الوطنية، والتي تشكل حدثاً مفصلياً في كفاح الشعب الصحراوي. لقد أدركت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب منذ الوهلة الأولى بأنه لا مستقبل لأي معركة تحريرية في ظل واقع مرفوض، صنعته الآلة الاستعمارية، بكل ما يعنيه ذلك من سياسات التجهيل والتخلف والفقر والتفرقة.
وكان من أول وسائل التصدي والتغيير هو تجسيد وحدة وطنية راسخة، تضم تحت جناحيها كل الصحراويات وكل الصحراويين، أينما تواجدوا، على أساس أهداف ومبادئ الجبهة، وفي مقدمتها تحقيق الحرية والكرامة والاستقلال. وهكذا كان يوم 12 أكتوبر 1975 يوماً عظيماً وتاريخياً بامتياز، حين قرر الصحراويون الانضواء في بوتقة واحدة تجسد وحدة شعب ووحدة قضية ووحدة هدف ووحدة مصير، كانت وستبقى الصخرة الشامخة التي تتكسر عليها أمواج العدوان وخطط الإبادة ومؤامرات التقسيم التي تشنها دولة الاحتلال المغربي.
ولا يفوتنا اليوم أن نتوجه بأصدق عبارات التقدير والإجلال إلى كل أولئك الذين ساهموا في صناعة الحدث، وفي مقدمتهم شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفى السيد، وكل من ساروا على الدرب وما بدلوا تبديلاً، على غرار الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز، ومن خلالهم إلى جماهير شعبنا التي احتضنت الفكرة وجسدتها على أرض الميدان، بكل وعي ومسؤولية وإيمان.
تلك القناعة الراسخة هي التي جعلت هذه الجماهير تهب هبة رجل واحد لتنخرط في معركة التحرير والبناء، بقيادة جبهة البوليساريو، وتقدم بسخاء التضحيات الجسام بالدماء والعرق والدموع والمعاناة، ولكن بإرادة لا ولن تلين لانتزاع النصر الحتمي.
ذلك العهد وتلك الأمانة هي التي تحملها الأجيال المتلاحقة، فصار الانتماء إلى الهوية الوطنية الصحراوية الجامعة الموحدة يسري في عروق كل الصحراويات والصحراويين الذين لا تمر مناسبة إلا ويرسمون لوحة جديدة من التلاحم والإجماع، ولا تمر لحظة تهديد أو تصعيد أو استفزاز من دولة الاحتلال المغربي إلا وكانوا جميعاً، في الأرض المحتلة كما في جنوب المغرب، في الأرض المحررة كما في مخيمات العزة والكرامة، في الجاليات كما في الأرياف، على أهبة الاستعداد، في يقظة وتحدي، لمواجهة كل الاحتمالات.
السيدات والسادة،
تمر القضية الصحراوية هذه الأيام بتطورات عديدة، يطبعها توجه دولة الاحتلال المغربي التصعيدي الخطير، وخاصة في منطقة الكركارات، حيث قامت بخرق سافر لوقف إطلاق النار، وجعلت المنطقة برمتها عرضة للتوتر واللا استقرار. وإنه لمن المؤسف أن نجد بلداً مثل فرنسا، التي ترفع صوتها عالياً للدفاع عن القانون وحقوق الإنسان في العالم، تقف إلى جانب الطرف المغربي الظالم والمعتدي.
لقد ارتكبت دولة الاحتلال المغربي جرائم متتالية في حق الشعب الصحراوي، بدءاً بشنها حرباً توسعية ظالمة، عبر اجتياحها للصحراء الغربية في 31 أكتوبر 1975، واحتلالها اللاشرعي للبلاد بالقوة العسكرية، رغم نداءات وقرارات الأمم المتحدة المطالبة بانسحابها الفوري. لقد أجرمت بشروعها في محاولة إبادة حقيقية في حق المدنيين الصحراوين العزل باستخدام أبشع الأساليب، من تقتيل جماعي بالحرق والدفن والرمي من الطائرات العمودية وبالرصاص وتحت التعذيب، الأمر الذي أكدته المقابر الجماعية المكتشفة للضحايا الصحراويين.
دولة الاحتلال المغربي، التي تحظى بحماية فرنسية في مجلس الأمن الدولي، أجرمت في حق الشعب الصحراوي باستخدامها للأسلحة المحرمة دولياً من قنابل النابالم والفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية وإقامة جدار من الموت يقسم الصحراء الغربية أرضاً وشعباً، ومدجج بملايين الألغام المضادة للأفراد التي ما تزال إلى اليوم تحصد أرواح الأبرياء وتفتك بالحيوان والبيئة. لقد أجرمت بانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، من خلال عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والتعذيب والتنكيل والمحاكمات الصورية، بما فيها العسكرية الجائرة، بل وعمليات اغتيال غادرة مع دفن الضحايا دون استكمال التحقيق الشفاف وفي غياب ذويهم، ناهيك عن النهب اليومي لثروات الصحراويين الطبيعية.
دولة الاحتلال المغربي، كأكبر منتج ومصدر للقنب الهندي في العالم، أجرمت في حق الشعب الصحراوي والشعب المغربي وشعوب المنطقة والعالم بشن حرب قذرة جديدة، من خلال إغراق المنطقة بالمخدرات التي تخلف آثاراً كارثية، اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، وتشجع وتمول عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية.
السيدات والسادة،
تتصادف ذكرى الوحدة الوطنية هذا العام مع مناسبات عديدة، مثل اليوم الوطني للخيمة، التي تمثل رمزاً وطنياً، تلتقي تحت قبته قيم الكرامة والشهامة والكرم والسخاء مع الهوية الجامعة والتاريخ المشترك والوحدة والنضال والمقاومة. فالخيمة الصحراوية هي التي احتضنت ملحمة اقديم إيزيك البطولية، فجمعت في جنباتها صمود وشموخ وصبر المناضلات والمناضلين الصحراويين في الأرض المحتلة وجنوب المغرب، وبعثت صوراً خالدة من المقاومة السلمية الصحراوية الحضارية الراقية، لن تمحوها أساليب الاحتلال التي تسعى عبثاً إلى حظر الخيمة ومحوها من الوجود ومن الوجدان الصحراوي. وفي وقت نبعث فيه برسائل التضامن إلى انتفاضة الاستقلال، فإننا نطالب مجدداً بإطلاق سراح معتقلي اقديم إيزيك وجميع المعتقلين السياسيين الصحراويين في السجون المغربية.
كما تتزامن هذه الذكرى مع مهرجان الثقافة والفنون الشعبية الذي يجسد جانباً من توجه استراتيجي لجبهة البوليساريو، يروم الحفاظ على الثقافة الصحراوية وحمايتها، في مواجهة سياسات المسخ والطمس والتمييع والتشويه التي تنتهجها دولة الاحتلال المغربي، في استهداف استعماري معهود لاجتثاث الهوية الصحراوية المتميزة.
وأخيراً، تتزامن الذكرى مع انطلاق طبعة جديدة من المهرجان العالمي للسينما في الصحراء الغربية، هذه التظاهرة الرائدة، بكل ما تحمله من رسائل التضامن والسلام والمحبة تجاه الشعب الصحراوي المظلوم، وما تعكسه من تنوير وتعريف للعالم بقضيته العادلة، وما تمثله من حراك فكري وثقافي وفني، وما تشمله من عروض وورشات للتكوين السمعي البصري وفضاءات التواصل بين الثقافات والشعوب.
وهذه مناسبة لنتوجه بجزيل الشكر والتقدير إلى ولاية الداخلة المضيافة وإلى المنظمين وإلى كل من سهروا على إنجاح هذا المهرجان الدولي، وإلى كل المشاركين فيه من كل أنحاء العالم، إلى الحركة التضامنية في أمريكا اللاتينية واستراليا وأوروبا، وخاصة في إسبانيا، حيث تتعزز باستمرار علاقات الصداقة والجوار والثقافة التي تجمع الشعوب الإسبانية مع الشعب الصحراوي.
أود أن أحيي بحرارة هذا الحضور الرسمي الكبير من الجزائر الشامخة، التي قدمت للعالم أروع دروس التضامن ونصرة المظلوم، بوقوفها إلى جانب الحق والشرعية الدولية واحتضانها لعشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين، الفارين من بطش القوات الملكية المغربية.
كما أحيي إفريقيا، الممثلة اليوم بوفد من جنوب إفريقيا، بلاد نلسون مانديلا، رمز الكفاح من أجل السلام والحرية والكرامة الإنسانية. إفريقيا التي تبنت القضية الصحراوية وتشبثت بتصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا.
نشهدكم جميعاً ونشهد العالم أجمع بأننا دعاة سلام وتفاهم وتعايش، وهو ما لن يتحقق إلا بالامتثال لمقتضيات الشرعية الدولية وتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه، غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، ليعيش مع شعوب المنطقة، في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، في ظل الاحترام المتبادل والتعاون وحسن الجوار.
إننا ندعو المجتمع الدولي إلى التحرك الجاد والعاجل لإنهاء مأساة الشعب الصحراوي، بتصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا، ونطالب مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياته في تنفيذ قراراته بتنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي.
إن رسالة ذكرى الوحدة الوطنية في عيدها الواحد والأربعين هي أنه لا شيء في العالم سيردع إرادة صادقة وصارمة لبلوغ أهداف نبيلة وسامية. الشعب الصحراوي سوف يمضي على درب الكفاح والنضال والوفاء لعهد الشهداء، وبكل السبل المشروعة، في كنف الوحدة والالتحام، بقيادة جبهة البوليساريو، لنيل حقه في الوجود والحرية وإقامة دولته المستقلة، الجمهورية الصحراوية، على كامل ترابها الوطني.
قوة، تصميم وإرادة لفرض الاستقلال والسيادة.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *