-->

هل انتهي التحالف الحيوي بين أمريكا والمملكة العربية السعودية


جاءت زيارة الرئيس الأمريكي باراك حسين اوباما إلي الرياض وهي الرابعة له خلال مدة رئاسته وهي ربما اكبر زيارة لرئيس أمريكي إلي هذه الدولة منذ قيامها في 1932بدعم غربي بريطاني ورضي أمريكي,فقرار الكونغرس الأمريكي الذي بدأت أصوات تعلو فيه وتطالب السعودية بتعويض ضحايا اعتداءات 11سبتمبر2001بعد أن رفعت عائلات الضحايا عريضة للقضاء الأمريكي الذي اصدر حكما لصالحهم وربما دون أدلة كافية كما فعل قبله مع إيران في اتهامها بالوقوف وراء دعم من نفذ عمليات ضد السفارة الأمريكية 1982 في لبنان وهذا الهجوم الذي تبناه حزب الله وادي إلي سقوط العديدين من العسكريين والموظفين فيها بين قتيل وجريح,هذا الأمر رأى فيه الأمريكان ذريعة من اجل تعويض الضحايا وعائلاتهم وسحب 2مليار دولار من الودائع المالية الإيرانية المجمدة في البنوك الأمريكية,وكذلك في ضحايا الطائر لوكا ربي مع معمر ألقذافي رحمه الله ونظامه وابتزاز ليبيا وهذا أمر درج عليه الأمريكان منذ مدة طويلة,ونفس الأمر ربما يحدث ألان مع السعودية والتي هدد وزير خارجيتها عادل الجبير بان المملكة لن تسكت وستقوم بسحب سنداتها المالية والتي تقدر بازيد من 750مليار دولار من البنوك الأمريكية وهذا الشيء أن حدث فأكيد ستكون له عواقب كارثية علي الاقتصاد الأمريكي والذي يعاني من عجز ضخم في الميزان التجاري ومن نسب تضخم ترتفع علي مر السنوات,واوباما الذي ستنتهي مدة ولايته الرئاسية هذا العام يدرك ذلك جيدا ويعلم أكثر من أي سياسي أمريكي أخر بان سحب هذه الودائع سيؤدي إلي انهيار قيمة الدولار الأمريكي بشكل حاد مما سيؤثر سلبا ليس علي البورصة الأمريكية بل سيفقد ملايين الأمريكان وظائفهم وكذلك حدوث قلائل واضطرابات اجتماعية كبيرة وسيصبح الأمن القومي الأمريكي علي المحك ,وهذا ما تتخوف منه الإدارة الأمريكية .فاوباما لا يريد أن يؤثر علي الانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة والتي من سيكون حزبه الديمقراطي فيها ممثلا بوزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون,ولا يريد أن يفسد العلاقات التاريخية التي تمتد علي مدار 70سنة من التعاون الاستراتيجي والأمني والعسكري بين واشنطن والرياض ولكن يبدو أن الأمر هذه المرة لن يكون كأزمة 1973التي نشبت بين البلدين بسبب قيادة الرياض لمحور العربي المقاوم وقتها واستعمال سلاح النفط كورقة لضغط علي أمريكا والغرب من اجل وقف تسليح وتمويل إسرائيل.
ووقتها صرح ثعلب الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر ووزير خارجيتها في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يجب علينا أن نحرم العرب من مصدر قوتهم وهو النفط ونعمل علي إقامة قواعد عسكرية في الخليج العربي والسعودية لكي نمنع تكرر نفس السيناريو في أي حرب عربية إسرائيلية مستقبلا وقد طبقت رؤيته وإستراتيجيته بحذافيرها,وتنفيذ هذا المخطط هو أهم عوامل وأسباب حصول حرب الخليج الثانية التي مكنت الأمريكان بدعم سعودي من إعلان دول الخليج محميات عسكرية وطاقوية أمريكية حتى اليوم,ولكن المشهد الإقليمي والدولي قد تغير في 10سنوات الفارطة ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية هي من يدير العالم منفردة كما كانت قبل ربع قرن ولكن هناك فواعل دولية وقوي عظمي دخلت علي الخط كالدب الروسي والتنين الصيني ولا ننسي أننا أمام قيادة سعودية متهورة سلمت قيادة الجيش إلي محمد بن سلمان ولي ولي العهد وهو لا خبرة له بالسياسة الدولية ولا بأمور الحكم ,وبدعم من والده الملك سلمان شن حربا خاسرة ضد بلد عربي عريق كاليمن ودمر أثاره وأحال مدنه إلي كتل من الركام ,بالإضافة إلي دعم الإرهاب في العراق وسوريا وليبيا ,فالخلاف السعودي الأمريكي الذي بدأت هوته تتسع وتتعاظم شيئا فشيئا وتعتبر تصريحات الرئيس الأمريكي التي جاءت في جريدة اتلانتس وشن هجوما لاذعا وحاد علي حلفاءه الخليجيين والإقليميين تندرج ضمن هذا السياق,ومنهم السعودية التي اتهمها بدعم الإرهاب وبأنها تصدر الفكر الوهابي المتطرف ولا تريد حلا سياسيا في سوريا وتعمل علي زيادة الاحتقان المذهبي والطائفي في الشرق الأوسط وهذا شيء مؤكد,ولكن هل يخاطر البلدان بإنهاء وفك الحلف ألامني والعسكري والاقتصادي والسياسي الذي يربطهم وبالتالي فان ذلك سيكون له عواقب كارثية علي المنطقة ككل وليس علي بلديهما فقط
فحجم التبادلات التجارية بين أمريكا والسعودية بلغت 81مليار دولار ,وليس هذا الأمر وحده الذي يعكس ترابط المصالح وحيويتها فصادرات الولايات المتحدة إلي الرياض قد ارتفعت في ظرف 7سنوات من 70الي 90مليار دولار,فالقيادة السعودية حتى وان كانت مغتاظة جدا من توقيع الاتفاق الغربي مع إيران والذي دعمته ورعته واشنطن وكذلك تهميش دورها في المباحثات الأمريكية الروسية حول سوريا وإهمال أهم مطالبها المتمثلة في ضرورة رحيل بشار الأسد عن سدة الحكم في هذا البلد ,وهذا المطلب الذي تعارضه روسيا التي تريد ضم جيش الإسلام وأحرار الشام إلي قائمة التنظيمات الإرهابية التي تقاتل في هذا البلد وهذا الشيء الذي تدعمه أمريكا ضمنيا وكما هو متعارف عليه فان المخابرات السعودية هي من شكلت جيش الإسلام ورعته بالتدريب والمال والسلاح ,فالتواطؤ الأمريكي في هذه المساءلة تراه الرياض طعنة نجلاء توجهها لسياسة السعودية المتعثرة في سوريا واليمن أصلا,وربما هذا الشيء الذي دفع بها إلي سحب وفد المعارضة السورية المحسوب عليها من مؤتمر جنيف 3الذي عقد لمناقشة كيفية حل الأزمة السورية سلميا وسياسيا وإيقاف مسار الحرب الدموي والذي كان من نتائجه الكارثية تمدد خطر التنظيمات الإرهابية وتحولها إلي منظمات عابرة لحدود الدول والقارات وضربت دولا أوروبية كبري وهددت بضرب عدد اكبر منها أن صدقنا ما يقوله مسؤولوا هذه الدول وحتى قادة داعش والنصرة والقاعدة وغيرها,فمصنع تفريخ الإرهابي التكفيري الوهابي يجب أن يغلق وتجفف منابعه وهذا الأمر ليس من مصلحة الرياض حاليا ,والتي تواجه أزمة ليس بسبب تراجع مدا خيل النفط وتورطها في حروب عبثية لا ناقة لها فيها ولا جمل ,بل بسبب الصراع الحاد الذي بدا يسرب ليس في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بل حتى علي لسان باحثين أكاديميين مرموقين,إذا يري مدير البرنامج السياسي لدول الخليج في معهد واشنطن سيمون هندرسون,والذي كشف عن وجود انقسامات كبيرة وعميقة داخل الأسرة الحاكمة في السعودية وطرفها الأساسيان ولي العهد نايف بن محمد وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وذلك اتجاه العديد من القضايا الداخلية والخارجية وهذا الصراع المحتدم سيزداد أكثر بعد موت الملك سلمان بن عبد العزيز وسيؤدي ربما إلي زوال العرش الملكي حسب كثيرين .
فالحليف السعودي القوي لأمريكا في المنطقة قد يتحول في أي لحظة وبدعم أمريكي هذه المرة إلي بؤرة توتر وصراع طائفي وقبلي هو كذلك,ولكن الأستاذ والباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات إبراهيم الأصيل , يري بان هذا الاحتمال بعيد الوقوع في المستقبل المنظور علي الأقل لان أمريكا التي تنسحب من المنطقة تدريجيا لازالت بحاجة ماسة إلي دعم الرياض في عدة ملفات إقليمية نظرا للنفوذ الكبير الذي تحظي به في العالمين العربي والإسلامي وبما لها من مصادر طاقوية ونفطية ضخمة واحتياطي مالي يسيل لعاب رجال الأعمال الأمريكان والمركب الصناعي العسكري الذي يعتبر العلبة السوداء التي تدير كواليس السياسة الخارجية والدفاعية في واشنطن,وربما يحاول بعض الساسة وخاصة من الحزب الجمهوري هذه المرة تغيير أجزاء من معادلة العلاقات السياسية مع النظام السعودي وجعل الدعم الأمريكي للرياض مشروطا بتنفيذ السعودية جملة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والدينية ومراجعة سجل السعودية الأسود في انتهاك حقوق الإنسان وملاحقة النشطاء السياسيين المعارضين وتكميم أفواههم وكذلك رجال الصحافة والإعلام,فالمصالح العليا الأمريكية وهي الدولة العلمانية الديمقراطية الليبرالية جعلتها في حلف استراتيجي طويل الأمد مع النظام السعودي القبلي الديني الطائفي الرجعي ,رغم اختلاف المرجعيات القيمية والأخلاقية والمنطلقات الفكرية والإيديولوجية لكليهما, فرغم تزايد الأصوات الأمريكية بتخلي عن هذا الحلف التاريخي ولكن الاتجاه السائد هو الإبقاء علي العلاقات السعودية الأمريكية بل وتطويرها وحتى إن لم يقم الملك السعودي محمد بن سلمان باستقبال الرئيس الأمريكي اوباما علي ارض المطار كما استقبل قادة الدول الخليجية المشاركة في أعمال قمة دول التعاون الخليجي الذي حل اوباما ضيفا عليها وكان اللقاء بينهما فاترا و مقتضبا ولكن كل هذا عبارة عن سحابة صيف عابرة حسب السيناتور الديمقراطي الأمريكي كريس هونمار إذ أن العلاقة الإستراتيجية مع السعودية تعتبر من أهم دعائم السياسة الخارجية الأمريكية وركائزها الراسخة ولا تستطيع أي إدارة مهما بلغ تطرفها أن تتجاهل هذه القاعدة الثابتة في السياسة الأمريكية.
لان السعودية توفر لأمريكا من الدعم والأموال والمعلومات الاستخباراتية و البروباجندا الإعلامية مالا توفره لها أي دولة في المنطقة,ويجب أن نؤخذ بعين الاعتبار أن الجيش السعودي يعتمد اعتمادا كليا علي الأسلحة الأمريكية والتدريب والإمداد والمعونات الأمريكية فمعظم الطائرات السعودية التي شاركت في العدوان علي اليمن أمريكية بل أكثر من هذا يقودها طيارون أمريكان وإسرائيليون لان الرياض ليس لها من الخبرة بالحروب ما يمكنها من شن عدوان خارج أراضيها فسياستها كانت دائما قائمة علي الدعم والتسليح دون الانخراط المباشر في المعارك خارج حدودها ,أما بعد تولي محمد بن سلمان العرش فهذه السياسة باتت من الماضي وربما سنشهد حربا سعودية علي إيران أو حزب الله أو تدخلا بريا في سوريا فهذه القيادة الرعناء لن ترتدع بعد فشلها في اليمن ,وأمريكا تعرف ذلك لذا تريد استفزازها لتقاتل هؤلاء عوضا عنها ولكن لدرجة معينة دون الانجرار إلي حرب إقليمية تهدد مصالحها الحيوية ,والرياض ستحاول الضغط علي البيت الأبيض من اجل إرضاءها في سوريا وعدم تمرير مشروع الكونغرس القاضي بمعاقبتها سياسيا واتهامها صراحة بدعم الإرهاب المتطرف ,فالضغط متبادل ولكن سيبقي إيقاعه مضبوطا ودون أن يصل الخلاف إلي قطع كامل للعلاقات الدبلوماسية بينهما لأنهما سيعطيان فرصا ذهبية لاعداءهما المشتركين من اجل فرض أملاءاتهم وشروطهم في المنطقة بما يضر مصالح كل من الرياض وواشنطن فما يجمعهما أكثر مما يفرقهما بكثير في النهاية.
ورغم أن قانون جاستا الذي سنه الكونغرس الأمريكي رغم فيتو الإدارة الأمريكية متمثلة في الرئيس باراك اوباما قد يؤدي إلى ازدياد الضغوط على الرياض باعتبار أن هناك مواطنة أمريكية من عائلات ضحايا 11سبتمبر قد رفعت دعوى قضائية فعلا تتهم فيها السعودية صراحة بالوقوف وراء هذه التفجيرات رغم عدم كفاية الأدلة ,ولكن بالمقابل وفي مقالة لسفير أمريكا السابق في العراق خليل زلماي زاده في صحيفة بو ليتكو بعد أن عاد من زيارة كان فيها لسعودية مع وفد من الكونغرس الأمريكي ,ذكر فيها بان مسئولا كبيرا في المملكة اخبره بان السعودية من دعمت التطرف الإسلامي ضد عبد الناصر في مصر فلما نجحت دعمته ضد الاتحاد السوفيتي فلما نجحت دعمته ووظفته لخدمة أجنداتها في المنطقة وتخشي أن يؤدي هذا القانون إلى توتير العلاقات السياسية بين البلدين والتي ستؤثر بالتأكيد على الجانب العسكري والاقتصادي وسيزداد هذا الأمر تأزما قطعا إذا وصلت دونا لد ترامب إلى سدة الرئاسة في واشنطن وهو المعروف بمواقفه المعادية للمسلمين وللملكة خصوصا.
عميرة أيسر-كاتب جزائري

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *