-->

تهور الدبلوماسية المغربية يقودها الى التطبيع مع تل أبيب انتقاماً من فلسطين بعد رفضها الانسحاب من قمة مالابو.


البشير محمد لحسن
تتميز الدبلوماسية المغربي في الفترة الاخيرة بخطواتها غير المدروسة، و ردات فعلها السريعة على أي دولة تخالف مواقف الرباط بخصوص احتلالها للصحراء الغربية. و لا يقتصر التخبط الدبلوماسي المغربي على وزارة الخارجية، او ما يطلق عليه منظمات المجتمع المدني، بل تعداه للمؤسسة الملكية، حيث يقول الملك شخصياً بصولات و جولات في اعماق افريقيا بحثاً نصر سياسي يبدوا تحصيله اصعب مما توقعه الملك و مستشاريه. و قد بلغ التهور الدبلوماسي المغربي ذروته بعد زيارة ملك المغرب الى اثيوبيا منتصف الشهر الجاري رداً على استقبال مصر لوفد صحراوي رفيه شارك في احتفالية مرور 150 سنة على تأسيس البرلمان المصري. و ما تلا ذلك من هجوم الاعلام المصري على المغرب و نشره حقائق عن تسريب الحسن الثاني لموعد حرب اكتوبر لإسرائيل، و جاء الرد المغربي المتهور و السريع بزيارة اثيوبيا التي تنازع مصر على مياه النيل و تمر علاقاتهما بأسوأ مراحلها. في هذا السياق، شرع وفد مغربي يضم 16 فرداً بينهم سياسيين و اعلاميين و اكاديميين في زيارة الى دولة الاحتلال الاسرائيلي تستمر تدوم أكثر من أسبوع، و تنتهي الاثنين المقبل، حسب رئيس الوفد المدعو عبد الله الفرياضي في مقابلة له مع موقع الجريدة 24 المغربي. و تتعد أنشطة الوفد حسب الفرياضي بين سياسية، ثقافية و تربوية و كذا من اجل اجراء لقاءات بشخصيات اسرائيلية نافذة قصد الرفع من مستويات "التنسيق بشأن الترافع الايجابي بخصوص القضايا الاستراتيجية للمغرب" حسب تعبير رئيس الوفد. 
الاعلامي البشير محمد لحسن
و يضيف رئيس الوف أن أحد أهداف الزيارة، هو "المشاركة في فعاليات أيام دراسية حول الهولوكوست من أجل الوقوف على حجم المأساة التي تعرض لها اليهود عبر العالم جراء الممارسات النازية، و لتبيان الدور الطلائعي الذي لعبه الملك الراحل محمد الخامس اليهود من قانون نظام فيشي الفرنسي الاستعماري المتواطئ مع هتلر". 
و لم يخف المتحدث اعجابه بنموذج دولة الاحتلال الاسرائيلي في ترويجها للهولوكوست حيث يقول أن "الزيارة تهدف ايضا الى الوقوف على اهمية التوظيف الاسرائيلي لهذا الحدث التاريخي المأساوي في البرامج التعليمية كنموذج مثالي يمكن الاقتداء به في تعميق الروح الوطنية لدى الناشئة". 
و في رده على سؤال حول تزامن زيارة الوفد الذي يقوده مع النكبة العربية التي حلّت بالشعب الفلسطيني، قال عبد الله الفرياضي "أن مصلحة المغرب أولى من أي التزام أيديولوجي، قومي او ديني". مؤكداً أحد أهم أهداف الزيارة هو "الرد على الموقف الفلسطيني المناوئ للمغرب في القمة الافريقية العربية التي عقدت قبل أيام في العاصمة الغينية مالابو". في إشارة الى إنسحاب ثماني دول عربية اشغال القمة احتجاجا على مشاركة الصحراء الغربية كدولة كاملة العضوية في الاتحاد الافريقي الى جانب باقي الدول الافريقية. 
و تضم تشكيلة الوفد المغربي باحثين مثل عبد الرحيم شهيبي، الذي كان قد دعا سنة 2013 الى تدريس الهولوكوست في المغرب، و بوبكر أوتعديت، و هو الناشط الامازيغي الذي سبق له ان زار الكيان الصهيوني سنة 2009 و أكد "أن أورشاليم- القدس هي عاصمة إسرائيل"، وعبد الله الفرياضي و هو سياسي محلي مغمور بمدينة كليميم، و كذا الصحفي بالقناة الامازيغية المغربية عبد النبي ادسالم ضمن آخرون يعملون بمختلف وسائل الاعلام المغربية، و كذا طلبة جامعيين وأساتذة في التعليم الثانوي و الجامعي. 
ويستطرد عضو الوفد عبد الرحيم شهيبي أن المجموعة ستباشر أنشطة سياسية أثناء حلولها بالكنيست الإسرائيلي، إذ ينتظر إجراء لقاءات تجمعهم ببرلمانيين إسرائيليين، ستتطرق لبعض القضايا السياسية و التعليمية و غيرها، كدعم قضايا المغرب ذات الأولوية على الصعيد الدولي. الى ذلك ينتظر أن تكون للوفد لقاءات بوزارة الخارجية الاسرائيلية "قصد تعزيز التعاون مع المغرب". كل ذلك من أجل "دعم التقارب والتطبيع الرسمي بين المغرب وإسرائيل"، حسب تعبير شهيبي. 
و لم يرد بعد أي توضيح رسمي مغربي حول ملابسات الزيارة، و ما اذا كان اعضاء الوفد قد حصلوا على موافقة مسبقة من وزارة الخارجية المغربية او الحكومة التي يسيرها الاسلاميون، غير ان مصادر مطلّعة تؤكد ان وفداً بهذا الحجم تتضمن اجندته لقاءات مع مؤسسات رسمية اسرائيلية كالكنيست أو وزارة الخارجية الاسرائيلية لا يمكن ان تتم دون موافقة السلطات العليا في البلاد، أو حتى تحميل الوفد رسائل حول التطبيع الرسمي مع الكيان الاسرائيلي، ناهيك عن تسهيل الحصول على التأشيرات قبل الانطلاق من مطار مغربي صون دولة الاحتلال. 
و تأتي الزيارة، حسب مراقبين ضمن استراتيجية تطبيعية تقوم بها الحكومة المغربية، تظهر ملامحها على شكل فقاعات لقياس درجة تقبل الرأي العام لها و تحضيره معنوياً لمزيد من الخطوات التطبيعية مع اسرائيل. و قد كانت آخر تلك الرسائل دعوة اسرائيل للمشاركة في الدورة 22 لمؤتمر الأطراف الموقعة على الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية "كوب 22"، الذي عقد بين 7 و 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بمدينة مراكش، حيث تم رفع العلم الاسرائيلي ضمن اعلام البلدان المشاركة. 
و لا تقتصر استراتيجية التطبيع المغربي مع اسرائيل على الجوانب السياسية او الاجتماعية او العلمية، بل تتعدد اوجهها لتشمل الاقتصاد ايضاً، حيث عرف التبادل التجاري المغربي الاسرائيلي نمواً متصاعداً في السنوات الاخيرة، حسب أرقام المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء التابع للحكومة الاسرائيلية. و أظهرت بيانات المكتب الأخيرة أن قيمة المبادلات التجارية بين الرباط و دولة الاحتلال الاسرائيلي، بلغت في ظرف 18 شهراً الأخيرة حوالى 52.3 مليون دولار، باحتساب الصادرات والواردات. 
و تكشف نفس البيانات وجود انتعاش واضح للصادرات المغربية ابتداء من شهر يناير من سنة 2015، إلى غاية شهر يونيو/ حزيران من السنة الجارية، حيث بلغت 24.3 مليون دولار، بعدما سجلت مستوى متدنياً في 2014، لم يتجاوز 6.6 مليون دولار. 
و بلغت القيمة الاجمالية للواردات المغربية من إسرائيل 28 مليون دولار، خلال الفترة الممتدة من بداية سنة 2015 الى غاية أواخر شهر يناير من السنة الجارية، و هو تحسن ملحوظ مقارنة بالنسبة الماضية. و بذلك يصنف المركزي الإسرائيلي للإحصاء المغرب كأحد أهم الشركاء الاقتصاديين لدولة الاحتلا الاسرائيلية في القارة السمراء، رغم الشعارات التي ترفعها الحكومة و بعض الاحزاب السياسية.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *