-->

محاربة الفساد .. بين الاحتواء و التأجيل


طالعتنا وسائل اعلام وطنية مستقلة ، قبل أيام ، بعزم رئاسة الجمهورية ، إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد ، الخبر ان تأكد، يعكس لا شك توجه جديد للتعاطي الرسمي مع ملفات الفساد ، ومن شأنه أيضا تصفير عَدَّاد التحول من أجل ترسيخ ثقة المواطنين بمؤسساتهم التي ترهلت بشكل لا تخطئه حتى العين التي بها رمد.
صحيح ان هناك جدلا متصاعدا ظل يدور حول مظاهر الخلل البنيوي في التسيير، وبالتأكيد أيضا ان حديث المواطن بات لا يهدأ منذ زمن طويل حول ضرورة مراجعة ترشيد تصريف الامكانيات العامة (لَعوين)..
لكن ، دعونا نتساءل أولا: هل الهيئة الجديدة قادرة فعلا على اعادة عربات قاطرة التسيير الى مجاريها ؟ ثم ماهي الأفعال التي يجرمها القانون و تعد فسادا؟ وما هو الإطار التنظيمي و القانوني الذي سيحدد مهام وأدوار الهيئة المذكورة؟ وماهي الصلاحيات الممنوحة لها في التحري عن الفساد المالي والاداري؟ وكيف ستصل الهيئة الى المعلومة من مصادرها و تتلقى الاخبارات والشكاوى؟ وكيف ستباشر التحقيق وتجمع الادلة والمعلومات للكشف عن افعال الفساد؟ وكذلك كيف ستوفر الهيئة الحماية اللازمة للمبلغين والشهود؟ وهل بالامكان تفعيل دورها بمعزل عن القضاء الإداري؟ (الذي لازال يرد القضايا إلى أصحابها بحجة عدم اختصاص المحاكم).
كلنا يعلم ان الوهن والنكوص الذي حل بمؤسساتنا خلال السنوات الماضية، ليس بسبب قلة الجهات الرقابية ، بدءا بالمجلس الوطني الصحراوي ولجانه، مرورا بالمديرية المركزية للرقابة والتفتيش، وليس انتهاءا بلجنة الرقابة والمحاسبة التابعة لأمانة التنظيم السياسي ، لكن المأزق كان ولا يزال في الالتفاف على الهيئات المذكورة بالتأجيل والاحتواء والمماطلة. 
ان التهاون الحاصل في عدم تطبيق القوانين والأنظمة، و إساءة استخدام المال العام، ليس بسبب قلة النصوص، انما المعضلة التي ينبغي أن نتصارح بشجاعة في شأنها ، بشفافية تطفو فيها الحقائق على السطح، هي أزمة تغييب التنظيم السياسي ودوره الرقابي ليس الا.
يعتبر القانون الاساسي للجبهة الاطار المرجعي لكل ما يتعلق باﻟﻬﻴﻜﻠﺔ ﻭﺍﻟﺘﺴﻴﻴﺮ، وبنص القانون ذاته تأتي أولوية الحركة قبل الدولة : " تشرف الجبهة الشعبية لتحرير الساقية المراء ووادي الذهب على تنظيم وتسيير السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والمجالس بمختلف تخصصاتها، في اطار الدستور الذي ينظم مهامها وصلاحياتها" المادة (159) 
الا ان تغول الجهاز التنفيذي خلال العقدين الماضيين على حساب تغييب دور التنظيم السياسي، و محاولة اذابته في الدوائر الحكومية، قد تسبب بشكل لافت في تراجع مكانة التنظيم ، وأضـعفت تلك التوجهات مـن كيانه المعنوي، الأمر الذي يعكس أزمة عميقة على صعيد القيادة والإستراتيجية.
في المؤتمرات الشعبية العامة الأخيرة صاغ المؤتمرون من المحاضر المئات.. وأجروا سيلاً من الجلسات والنقاشات، تمحور جلها حول المطالبة بضـرورة تفعيل دور التنظيم السياسي كإطـار جامع ومصدر قوة يجب أن يمتلك أدوات الفعل والتأثير ، وكانت اوضح الدعوات واقواها تلك التي عبر عنها المؤتمرون في جمعهم الرابع عشرفي ديسمبر 2015، حيث رفعوا صوتا جماعيا طالبوا فيه بتقوية الدينامية التنظيمية ، بما يضمن عملية التفاعل المؤسسي بين أولوية التحرير من جهة ومقتضيات البناء وخدمات التسيير من جهة ثانية.
التنظيم السياسي هو القادر وحده ــ وليس سواه ــ على عقلنة المشهد السياسي الصحراوي المعاصر ، و هو الذي يستطيع تفعيل الثقافة المجتمعية الرافضة للفساد والمناهضة للمفسدين، التنظيم الفاعل والكفؤ هو الذي يعزز مبادئ النزاهة الوطنية، والقادر على تفعيل الرقابة الداخلية، و باستطاعته تبني اجراءات وسياسات وقائية مناسبة في المؤسسات، و تجفيف منابع الفساد والحد من انتشاره في المجتمع. 
لكي يبقى التنظيم السياسي للجبهة خارج كل حسابات التجاذب ، ولتمكينه من مواجهة الصراع المستمر على كافة خطوط المواجهة مع العدو ، و دحض دعاياته و حروبه الناعمة، وتحسين وضعنا التفاوضي ، ولتقوية البناء المؤسساتي ، ولتفادي الأثر المدمر للفساد، ولردع كل من تمتد يده او جيبه الى المال العام، لابد من إرادة فورية ـ تترجم على شكل أفعال ـ في تقوية رقابة التنظيم السياسي على أعمال السلطة التنفيذية وباقي أجهزة الدولة، و في ذات السياق لا بد من رفض صيغ المحاصصة واللًبنَنَة ، و تأسيس هيئة عليا مستقلة ودائمة تشرف على مُخْرَجات الاستحقاقات الانتخابية في كل أطوارها ــ محلية جهوية ووطنية ـ وتحديد مدد زمنية لشغل المواقع الأساسية في قمة السلطة العامة، اضافة الى تفعيل دورالإعلام و رقابة الرأي العام .
واقع الحال يقول ان كل ذلك لن يتأتى الا اذا كانت تقود التنظيم السياسي نخبة ذات كفاءة، ورؤيا ومشروع وإستراتيجية للنهوض والتفاعل مع متغيرات الواقع ومستجداته، نخبة تتميز بالجرأة والثورية والتحرر الذاتي، والهمة العالية والفكر المستنير الذي يستجيب للتطلعات الرافضة للتعايش مع الواقع الحالي الذي يناقض السلوك الثوري. 
لسنا هنا في وارد تجاهل الصعوبات، والتعقيدات، والتحديات القائمة وهي كبيرة وثقيلة، لكننا نعتقد ان النفسية العامة للشعب ما بعد الكركرات ـ اعطاء أولوية لكل ما يتعلق بالبندقية ـ ورسائل القيادة العليا لجيش التحرير متعدّدة المضامين والدلالات إلى العدو و'الجيران' قد أوجدت ظروفا يجب استغلالها لمراجعة أوضاعنا ، من خلال تعبيد الطريق المناسب لتجاوز أعطابنا المتزايدة ، وبذل أقصى الجهد في مواجهة الأخطار المحدقة بنا ، وتلافي أي مفاجآت متوقعة أو غير متوقعة . فهل نستطيع ذلك؟

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *