-->

رسالة وزيرة الثقافة بمناسبة الذكرى الثانية لاستشهاد محمد عبد العزيز

بمناسبة ذكرى استشهاد محمد عبد العزيز
مناسبة تؤجج المشاعر و تضغط القلوب ، و تجري مزيدا من الدموع .. انها ذكرى استشهاد الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز .. هي ايضا فرصة لكل الصحراويين للعودة بالذاكرة و الوجدان لمعايشة زمن كان عنوانه محمد عبد العزيز .. فرصة لاستعراض سيرة ملأى بعبر الوطنية و عبير الاخلاص و التضحية .. فرصة لملامسة معاني التفاني و حب الوطن في اعظم التجليات ..!!
    هي ذكرى ، على دراماتيتها القاسية ، تمكننا من الاعتبار عندما نتصفح شريطا انسانيا و ملحميا فريدا ، تصارعت في خضمه  شيم البررة الأبطال .. تكاملت خلال صفحاته الثمانية و الستون كل ايات الوطنية و الاصالة ..  الايثار و التضحية و الرصانة و حب الخير .. !!
   فرصة لمرافقة " حدي " الشاب الاسمر المثقف .. الشخصية المتدينة و العامرة حيوية و نشاطا .. حدي القائد العسكري البسيط .. الناكر لذاته و الكاره للظهور و للاضواء .. يستردم بين رفقاء السلاح و لاتجده متقدمنهم الا عند اطلاق الرصاصات الاولى في كل معركة .. كان الفتى الاسمر غزالا يتخلل بسرعة البرق ،  صفوف الاعداء متقمصا موجات النار و اللهب ، يزرع الخوف و الهلع و لا يعود و رفاقه الا وقد ارتعدت اوصال عرش الرباط و هاجت مدن المغرب بالرعب و النحيب .. كان حدي ورفاقه المقاتلين هاجسا مرعبا استعصى على القياس و المعالجة .. كيف لا و هؤلاء بشر اقرب الى اعاصير رملية تتناسل بين الكثبان و الاودية الصحراوية ، تفعل افاعيلها و تعود دون سابق انذار  ..!!
لم يكن القائد الباسل منشغلا بالتزام اعراف القيادة و المثالية ، فلقد كان معنى لهما فعلا .. مكتمنان في شخصيته و تربيته و سلوكه .. احبه الرفاق حد التعلق .. !!
   .. و على حين غرة وجد محمد عبد العزيز نفسه مجبرا على ممارسة مهام الامانة العامة للجبهة الشعبية و رئاسة الجمهورية .. لم يكن التكليف قضية بالنسبة اليه و لكنه الحنين الى اخوة السلاح و روائح البارود و مقارعة الاعداء ، هو الاهتمام الذي كان يعنيه ..!! و لذلك كان لابد من التوفيق بين واجب القيادة و هوى ميادين القتال .. فكانت مهمة منع الرئيس من اقتحام ميادين النار ، معركة بحد ذاتها ..!!
    في مطلع التسعينات رفع محمد عبد العزيز التحدي و حمل على كاهله حملا ثقيلا منهكا تعجز عن رفعه الجبال .. لقد تكالبت المخاطر و تظافرت المشاكل ، و شاء الله تبارك و تعالى ان يحفظ الشعب الصحراوي و يأخذ بيده .. بوحدته و صموده .. اختار محمد عبد العزيز ، الابن البار ، الحمال ، الصبور و الجسور .. اختاره للاشتباك مع تلك المتغيرات و القضايا الخطيرة .. مرحلة كشرت عن انيابها بوقف اطلاق النار و سريان مفاعيل تحديد الهوية و جلبتها المقيتة ..!! و هجوم المادة و البحث عن المال .. حليفنا الجزائر الشماء تواجه حربا شعواء تستمد لهيبها من محرضات الداخل و الخارج و العالم يفتح افواهه المشدوهة لمقتضيات طوارئ العولمة و التكنولوجيا  .. يلتهم كل جديد دون ارادة ، و يلفظه بعد هضم عسير على شكل تكتلات او انفصالات .. تناسلت مظاهر الحياة و تعقدت و تركبت المفاهيم و تداخلت عناوين الاقتصاد. بالسياسة بالاجتماع ...!!. و انقشع الغبار عن شعب من المقاتلين الاشداء .. ممنوعين من ممارسة القتال .. لاجئين لكنهم مدعوين للانتظار .. مناضلين مدعوين للمواطنة و التمدن في حياة اللجوء ..!! و العدو الجبان يرتب اوراق اللاحرب و العاب العزف على اوتار االملل و الترقب ..!! و الانفراد بالقابعين في السجن الكبير بالمناطق المحتلة ..!!
   و من خضم الواقع الصعب و المفروض انبرى محمد عبد العزيز يقود برصانة و حكمة ، شعبه .. بتوفيق رصين و صبر جميل انبثق من الايمان العميق بالنصر و الارادة القوية في بناء المؤسسات ، و ترويض ظروف المرحلة كي تخدم القضية ..
    كان محمد عبد العزيز ممتلأ بقناعة ان النصر مسألة وقت فقط و ان دم الشهداء لن يسيل هدرا و ان الصحراويات و الصحراويين جديرات و جديرون بالعيش الكريم فوق ارضهم و بكيانهم الجمهورية الصحراوية ..
قاد بنفسه و ادار ملفات الصراع الجديد فجعل من نفسه رفيقا و صديقا لكل لبوءات و اسود انتفاضة الاستقلال .. تمسك باحراج الامم المتحدة و كشف عن عورة مخزن بوليسي ينتهك كل لحظة حقوق الانسان الصحراوي . اشرف محمد عبد العزيز على ادارة المعركة الطاحنة حتى كشف عن مخزن سراق و نهاب لثروات الصحراويين .. و المعركة انتقلت الى المؤسسات الديمقراطية الاوروبية .. فإذا بالعدو امام شعب قادر على المواجهة بنفس مقادير التأثير و الخطورة على العدو سلما و قتالا ....
  لقد تمكن فقيد الشعب الصحراوي محمد عبد العزيز المقاتل الشرس و السياسي المحنك و البدوي المتمدن .. تمكن من صهر هذه الخلطة الانسانية النادرة و تسخيرها لمصلحة الوطن و القضية ، و االاهم انه نجح ايضا في حقن التركيبة الاستثنائية في شخصية الانسان الصحراوي ، مصلا حيويا حقق للمناضل المقاتل اللاجئ ، المعتقل الثوري المنتفض .. حقق لهم ممارسة حياة المواطنة المدنية الآملة في العيش في كنف الجمهورية الصحراوية ..
   احب الرئيس دوما شعبه فكان يتربص الفرص للتخلص من روتين االبرتوكول لتلبس بظلام الليل و يتمشى بين الخيم لا ينغص هيام روحه بين العامة الى كحة تفلت عن السيطرة ،..!! و قد يستدعي ايام الفرار نحو جبهات القتال فتجده مندسا في قلب عائلة مبتهجة بمشاركته اياها جلسة شاي تحت سقف سماء يوم صيفي ، او مدفونا تحت بطانيات اخرى ، في جلسة " كندرية " في ليلة شتوية ..!!
حاز رحمة الله عليه على ذكاء اجتماعي فريد ، فكان يحفظ في ذاكرته اسماء الناس رغم انه كان يفضل اسلوبه الحاني و المرهف في معاملة الجميع فالشباب كان يناديهم ب " لولاد و لمنات " و الكبار ب " والدي و والدتي " .. كان يعجز عجزا قاهرا عن مقاومة عواطفه تجاههم ، فيطيل الاحتضان للكبار و يذوب وهو يحتضن و كان لا يستطيع حبس دموعه عند لقاء رفقاء السلاح و قدماء المناضلين و اهالي الشهداء .. كان يجعل من اصالة و ثقافة و نبل الصحراويين محددات و خطوط مقدسة ، يكره التصريح بالفشل واو العجز ، و لذلك كان يثور و يغضب بشدة و عنفوان امام ايا كان بهذا الخصوص .. !!
       تحمل محمد عبد العزيز عذابات المرض ، الا ان ايمانه الشديد و الراسخ بالقدر حمله على احتقار الالم فظل يتحداه و يكتمه بالعمل و المقاومة .. الح دوما على اولوية العمل و خدمة الناس .. كان يحذر من الاستقرار و التعايش مع الحياة المادية و لذلك تمسك بالاستنفار العسكري و الحملات العامة .. تقدم صفوف المناضلين فى حملات النظافة و حفر الطين و الوحل و بناء المدارس و المؤسسات ..
ود محمد عبد العزيز رحمة الله عليه لو تمدد جسر عبور لشعبه نحو الاستقلال و ود لو  صنعت سعادة و استقلال الصحراويات و اطفالهن من لحمه و بدنه و كان يتماهى و يذوب مع هموم و سير المناضلين و رفقاء السلاح ..
في ذكرى استشهاد محمد عبد العزيز الثانية نفتخر نحن الصحراويين ان شرفنا تاريخ البشرية بابن بار و بطل ، مخلص و جسور ،  اسمه : محمد عبد العزيز
خديجة حمدي - عضو الأمانة الوطنية، وزيرة الثقافة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *