-->

آسا بين الثورة والتجاهل


بقلم : محمود خطري حمدي 
ظلت آسا مدينة صحراوية عصية على الابتلاع ، رغم اقتطاعها من ارضنا منذ 1958 ، لكنها بقيت مصرة على رفض فصلها عن امتدادها الطبيعي ، وجسمها الصحراوي الاصيل . 
حين تنتفض آسا الصامدة تتطاير شظايا ثورتها الى باقي المدن الصحراوية ، وتتوهج نيران الغضب في قلوب وحناجر الصحراويين في مختلف المواقع والأماكن ، كانت المدينة الصغيرة بحجمها والكبيرة بعطائها وعظمة ابنائها رمزا للفخر ، وعنوانا لقصائد الشعراء وأغنية يرددها الناس هنا وهناك . 
آسا كانت في اجندة الجبهة الشعبية وحاضرة في خطاباتها السياسية والتحريضية ، وكنا نلمس في الرئيس الراحل الشهيد محمد عبد العزيز عناية خاصة واحتراما كبيرا لتلك المنطقة وانتفاضاتها العارمة ، والتي كانت دائما تربك العدو ، وتفشل حساباته في فصل هذه المدينة العنيدة عن باقي المدن . 
وربما كان ذلك ذكاء من الرجل ، لمعرفته بالأرض والإنسان الصحراويين ، وأن قلعة آسا مادامت ملتهبة ، فإن أزيز انفجارها سيبقى مدويا ومنتشرا بشكل تسلسلي ، شاقا بزمهريره باقي المدن . 
لكن منذ سنوات لاحظنا فتورا في هذه القلعة وتراجعا ، زرع فينا نوعا من القنوط والتردد ، اذ كيف تتراجع عنك قلعة حصينة من قلاع النضال مثل آسا الصامدة ؟ وكيف تشتعل قناديل الانتفاضة في بعض المدن الصحراوية ، وتتراجع آسا ؟ 
شخصيا كنت أدرك الامر وأعرف الخلل ، وهو نتاج السياسات الخاطئة التي يدار بها ملف الارض المحتلة وجنوب المغرب ، وهو ملف معقد وشائك ، وتتداخل فيه العديد من القضايا المعقدة ، فبالإضافة الى أن المحتل المغربي زرع جيوبه وبث عيونه في صفوف الانتفاضة لاختراقها ، هناك أيضا المسؤولين ممن اضعفوا هذا الملف بضعف النظر والقبلية والمزاج السيئ . 
وهذا ما أدى الى نتائج سلبية جعلت بعض النشطاء من أبناء هذه القلعة ، يتداولون تدوينات مقبولة ومبررة في الكثير من الاحيان ، وقاسية ومحرجة في مناسبات أخرى . 
فقلعة آسا لا أحد يستطيع أن يجعلها " حطب ثورة " كما وصفها بعض النشطاء في تدويناتهم ، لأننا كصحراويين لا يمكننا أن نطير من غير عنق أو جناحين ، فالجبهة محتاجة لسواعد جميع أبنائها ، ومخطيء أي كان سياسي او مسؤول أو ناشط من يعتقد أنه بإمكانه العمل وحيدا بدون أبناء هذا الوطن جميعا من " واد نون الى لكويرة " . 
والحقيقة لم نفهم التعاطي غير المفهوم من البداية مع مجموعة رفاق الولي وغيرهم من أبناء هذه القلعة ، اذ شابه نوع من التردد المبهم ، سرعان ما تداركه الحكماء داخل التنظيم ، وتفهمه المناضلون هناك . 
وإنه من العار ان نترك المزاج الشخصي لاي كان ، أن يعكر صفو مدينة بكاملها ، ويعطل طاقات هائلة من أبناء آسا الشرفاء ، الذين لم يتقاعسوا يوما عن واجبهم النضالي تجاه قضية شعبهم ، رغم محاولات الاحتلال المتكررة لعزلهم وجدانيا عن القضية الصحراوية . 
اليوم انتفضت آسا ، واستقبلت أبطالها رفاق الولي المفرج عنهم ، وتزينت بأعلام الدولة الصحراوية ، وعادت آسا الى حرارتها المعهودة ، ونضالها المستميت ، وهي رسالة الى العدو اولا الذي راهن على فترة سوء التفاهم بين اخوة النضال والقضية ، وأخرى الى المسؤولين بالابتعاد عن سياسة الارتجال ، ومد الايدي لاحتضان أبناء جلدتهم ، فالوطن يتسع لنا جميعا ، والقضية تتطلب منا المزيد من نكران الذات ، وجمع الكلمة على التحرير والبناء .

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *