-->

حزمة حقائق بعضها مؤلم / بقلم: السيد حمدي يحظيه

في الحقيقة يبدو أن جلد الذات والتباكي ولبس السواد ليس حلا.. البكاء على الميت يزيده
عذابا يوم القيامة..وليس حلا إطلاقا أيضا الحزن على ما فات والتراشق بتبادل الاتهامات.. ليس أيضا حلا البقاء في نفس الدائرة المغلقة.. جلد الذات والصفع على الخدود العارية لن ينفعنا في شيء.. هناك حزمة حقائق يجب أن لا تبقى غائبة عن أذهاننا إلى الأبد..
الحقيقة الأولى:العودة إلى الخلف خارج الحسابات، وخارج التفكير، والصحراويون يعرفون أنهم إذا فرطوا في ما أنجزوا منذ سنة 1973م من وحدة ومن سمعة لن يبقى لهم أثر.. إذن، قبول اي حل غير الاستقلال غير مطروح على الطاولة بتاتا، ومعادله في المخلية الجمعية الصحراوية هو الانتحار..
قبل كل شيء لنكون واقعيين ونبتعد عن العاطفة، ونفكر بعقولنا قبل أن نفكر بأعصابنا وعضلاتنا، وقبل ان نعبر عن غضبنا بصوت مرتفع.
نكون واقعيين يعني في المقام الأول- حسب تصوري- هو قول الحقيقة والتأسيس عليها. إن شعبنا ليس غبيا إطلاقا، وهو شعب ذكي، ويحب قول الحقيقة... الحقيقة حتى لو كانت مؤلمة.
مؤلم جدا أن نقول أننا، كنخبة سياسية ومثقفة، ظللنا وطيلة سنوات، نخفي الكثير من الحقائق عن شعبنا وعن أنفسنا وهذا، بالإضافة إلى أنه مؤلم، هو مضر ومدمر، والضرر والتدمير أشد من الألم.
مؤلم مثلا أنا ظللنا منذ وقف إطلاق النار نتحدث ونصدر للعالم أننا ننتظر أن تنظم الأمم المتحدة الاستفتاء، ونحن في قرارة أنفسنا غير مقتنعين بهذا، ونعرف أننا نمثل أدوارا كوميدية في مسرح تراجيدي . كنا نقول هذا ونكتب هذا ونحن نعرف – جميعا- أننا نكذب على شعبنا وعلى أنفسنا وهذه تراجيديا مبكية أو هي قمة الماسأة.
الجميع – الجميع- كان يعرف ومنذ سنة 1992م أن الأمم المتحدة لن تحل القضية، وان المغرب لن ينصاع لقرارات وتقارير مكتوبة على الورق بحبر باهت.. حتى نحن الصحراويين لو كنا نستعمر المغرب ما كنا خرجنا منه تنفيذا لتقارير وقرارات على الورق.. الحقيقة ان المغرب لا يوجد ما يفرض عليه على الأرض ترك الصحراء.. هذه حقيقة عارية مثل الشمس. من منا كان يظن أن الأمم المتحدة ستفرض على المغرب حلا.. لا احد، وحتى القيادة الصحراوية تعرف هذه الحقيقة ومقتنعة بها أكثر من اي مقاتل أو طالب أو مناضل بسيط.
فحين تصرح القيادة وتتفاوض، وحين نكتب نحن ونذيع ونتكلم ونحاضر كنا نعرف – جميعا للأسف-اننا كلنا نكذب على أنفسنا ونخدع ذواتنا.. لا يوجد شيء مؤلم أكثر من هذا... فحتى القيادة التي نتهمها بالجهل وبضعف النظر السياسي، وأنها متشبثة بالوهم - لاندافع عن القيادة عقائديا ولا ماديا- كانت تعرف أكثر منا أن الأمم المتحدة لن تنظم الاستفتاء، وأن التفاوض هو عبث، وحتى نحن، كل من موقعه، كنا منذ سنة 1992م نعرف أن الأمم المتحدة لن تنظم الأستفتاء.. القيادة كان مفروض عليها أن تبقى تلهث وراء الأمم المتحدة وتحاول أن تبقى أطول وقت ممكن من الزمن تناور مع شعبها لعل الله يفتح وتحدث ثورة في المغرب أو تتحالف الولايات المتحدة الأمريكية مع الجزائر....
الحقيقة الثانية:من الذي يفرض على البوليساريوأن تبقى أسيرة للمينورصو وللمفاوضات..؟ بديل المفاوضات هو- بديهيا- الحرب.. هذه بديهة ساطعة.. الحرب هي باختصار الدعم اللوجيستيكي والسياسي وتوفير مصادر الذخيرة للجيش ومصادر التموين.. الحقيقة أن الدولة الوحيدة التي تدعمنا هي الجزائر، وهي التي نشتري منها السلاح.. لنحلل الحرب كأداة لتحقيق الاستقلال.
الذي ترك القيادة لا تتخذ قرار الحرب – هذا راي شخصي- هو أنها تنظر إلى الموضوع من زاويتين: من الزاوية الأولى: البوليساريو ترى أن لجوئها إلى الحرب سيجعلها هي وحليفتها الجزائر تصبحان في مواجهة مع مجلس الأمن المؤلب ضدهما أصلا والموالي للمغرب كله، والذي يرفض ذكر كلمة الحرب، وهو مستعد لوضع البوليساريو في قائمة الإرهاب، ومستعد في اي وقت لإسقاط السماء على المنطقة إذا انطلقت رصاصة واحدة..
من الزاوية الثانية: ترى البوليساريو – أو على الأقل قيادتها- أن الحرب على حدود الجزائر قد يؤثر على أمن هذه الأخيرة القومي.. فالجزائر منذ سنوات وهي منشغلة بأمنها القومي قبل كل شيء. يجب أن لا نجرد الجزائر من حقها في ان تكون لها مصالح في صراع على حدودها، وأن يكون أمنها القومي هو كل شيء – أولوية- بالنسبة لها سواء في تعاملها مع الأعداء أو مع الأصدقاء..
إذن، البوليساريو – أو على الأقل قيادتها - ترى أن الحرب على حدود الجزائر قد يعرض أمن هذه الأخيرة للخطر، خاصة أنها دولة مستهدفة ويعاديها محيطها كله بسبب مواقفها.
وليست الجزائر هي التي لا تريد الحرب على حدودها، لكن موريتانيا أيضا.. ( هذا موضوع طويل).
الحقيقة الثالثة:طرد المغرب من الصحراء الغربية مرتبط ب(1)القدرة الإلهية- إذا استبعدنا هذا نحن جهلاء-؛(2) ثورة في المغرب وهذه يجب ان لانعول عليها؛(3) أن تضغط عليه أمريكا وهذا لن يحدث لإننا جربا أمريكا في كل المراحل وجربنا مختلف القوى السياسية، لكن بدون جدوى؛ أمريكا تريد أن تحاور الجزائر كطرف الصراع لتحصل على مقابل – نفوذ وبترول- بالخصوص- هذا مهم-، والجزائر ليست مستعدة لإعطاء هذا المقابل لإنه لا يوجد ما يفرض عليها ذلك لإنها لوفعلت يعتبر ذلك تهديد لأمنها القومي؛ أمريكا ترى أن الحل يكمن في أن تحل القضية نفسها بنفسها: يسقط أحد الطرفين بعامل الوقت، ويفشل في النهاية وتظن أن الطرف الصحراوي هو الضعيف وهو المؤهل أن يستسلم في النهاية..
(3) الحرب وهذه يجب وضع الحساب لها بدقة...
الحقيقة المجردة الرابعة هي أننا استهلكنا كل ما كنا نستطيع أن نقنع به شعبنا( المفاوضات الأمم المتحدة الاستفتاء)... ماذا سنقول لشعبنا الآن؟ هل نستطيع أن نقنع شعبنا من الآن فصاعدا أن الأمم المتحدة يمكن أن تجبر المغرب على قبول الاستفتاء؟ هذا لا يمكن التسليم به..

أنه من المهم الأعتراف القول أننا أصبحنا مجبرين- إذا أردنا أن نتصالح مع ذواتنا ومع شعبنا- أن نقتنع بالتسليم بواحد من إثنين مما يأتي: التصالح مع لجوء طويل - حتى نجعل المصطلح لبقا نسميه الصمود- على شاكلة اللجوء الفلسطيني، أو اللجوء إلى الحرب مهما كان ذلك مؤلما.. لنتصور- فقط نتصور- أننا أعلنَّا الحرب، لكن الجزائر، الحليف الأول، قالت لنا أنها لا توافقنا الرأي. لا توافقنا الراي معناه أنها قد لا تدعمنا ولا تبيع لنا السلاح ولا المحروقات، أو تطلب منا، بلباقة، أن ننقل دولتنا إلى الجزء المحرر من الصحراء الغربية.. لنا حق التصور جميعا والتفكير بصوت مرتفع ووضع كل الاحتمالات..
لكن إقناع شعبنا بالتسليم باللجوء الطويل بدون مقاومة لن يكون منطقيا إطلاقا.. إذن، هناك مشروع اللجوء الطويل- الصمود- ويتطلب العودة إلى الذات وبناء البيوت بالاسمنت وبناء المدن والقرى وخلق نوع من الاستقرار مثلما هي الحال في تندوف أو في الزويرات( طبيعو تندوف الجغرافية وطبيعة الزويرات هي واحدة) .. خلق مظاهر الاستقرار والبناء والإعمار مهم مستقبلا للجزائر: حين نعود لوطننا يتحول مكان المخيمات إلى بلديات تابعة لولاية تندوف، ويتم إعمار تلك المنطقة التي لا تريدها الجزائر أن تبقى قاحلة..
الحقيقة الخامسة:لا مفر من أن الوضع أصبح يتطلب علاجا ميدانيا... العلاج الميداني - حسب وجهة نظري- يجب ان يضع الأمم المتحدة خارج الحسبان.. هناك حل يفكر فيه الجميع في هذه اللحظة المحتدمة وهو: التخلص من وقف إطلاق النار رسميا، تجهيز القوة العسكرية، إعلان أن المنطقة منطقة حرب، والاستنزاف البعيد دون اللجوء إلى الصدام على الأرض. تحريك الدوريات على طول الحزاب وجر العدو إلى الخروج من الحزام.
هذا القرار سيتم إشراك فيه القوة القوية والكبيرة والمعول عليها في المدن المحتلة والتي ستلتحق بالجيش، أو على الِاقل، تبدأ هي الأخرى بانتفاضة طويلة يومية شاملة في المدن المحتلة.. وضع العدو بين فكي الكماشة سيجعله ينكسر في الأخير...
بقلم: السيد حمدي يحظيه

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *