-->

الشهيد محمد عبد العزيز حياة بطل عاش بسيطا ورحل عظيما


ولد الشهيد محمد عبد العزيز سنة 1948 بمنطقة السمارة بالصحراء الغربية أين تلقى دراساته القرآنية.
انتقل في نهاية الخمسينيات إلى جنوب المغرب لمتابعة دراساته أين بلغ المستوى الجامعي تخصص طب.
مع ظهور الإرهاصات الأولى للحركة الجنينية وبالضبط في 1972 شارك في مظاهرتي مارس وماي بمدينة طانطان حيث اعتقل مع مجموعة من رفاقه، لينتقل بعد ذلك مع مجموعة من زملائه الذين قرروا التخلي عن الدراسة والانخراط في التحضير لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وكان له دورا كبيرا في التعبئة والاتصال بالصحراويين بالريف الوطني والدول المجاورة إلى جانب مهمة جمع السلاح والتحضير لاندلاع للكفاح المسلح.
مع نهاية ابريل 1973 شارك في المؤتمر التأسيسي للجبهة أين انتخب عضوا في مكتبها السياسي. وكانت أولى مهامه إعداد العلم الوطني وشعار الجبهة وبطاقات الانخراط من اجل توزيعها على كافة فروع التنظيم السياسي للجبهة قبل أن يتولى المسؤولية المباشرة على فرع الشهيد إسماعيل الباردي بالجنوب الجزائري إلى جانب تكليفه بالمساهمة في تحضير وتنظيم وتسليح المجموعات الأولى التي تولت مهمة تفجير الكفاح المسلح بخنكة واد اكسات.
بعد ذلك كلفه الشهيد الولي بالإشراف على تنظيم مجموعات التعبئة وجمع السلاح وتأطير وتجنيد المناضلين الملتحقين الجدد لدعم وتعزيز صفوف المجموعات المقاتلة.
شارك بدعوة من قسم حركات التحرر بجبهة التحرير الوطني الجزائرية نقاشات تاريخية أضحدت حجج المغرب وكشفت خططه لخلق حركات موازية عميلة للمخابرات المغربية واقنع جبهة التحرير بالاعتراف بحقيقة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي وقائد كفاحه من اجل التحرير والاستقلال.
ساهم بفعالية في تحضير وإنجاح المؤتمر الثاني للجبهة المنعقد في غشت 1974.
في نهاية 1974 وحتى ماي 1975 كان له الدور الكبير في التأطير ونشر فكر الحركة وتنظيم الخلايا والفروع وتوجيه احتجاجاتها ومظاهراتها على كامل التراب الوطني ودول الجوار وكانت أكبرها المظاهرات التي انطلقت يوم 12 ماي تزامنا مع زيارة بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق.
كان ضمن الوفد الذي شارك في عملية التفاوض مع الإسبان لتبادل الأسرى والتوصل إلى خطة تفاهم بين الجبهة وإسبانيا.
لعب دورا فاعلا في الدعوة إلى الوحدة الوطنية وتعميم نتائج ملتقى عين بنتيلي.
في نهاية 1975 قاد الدفعات الأولى المتردبة لدى الجزائر الشقيقة وبعد التخرج عين قائدا للناحية العسكرية الأولى، حيث قاد الكثير من المعارك ضد قوات الغزو المغربية في شمال الصحراء الغربية وجنوب المغرب ومنها معركة توكات ورأس الخنفرة واريدال والزاك ولمسيد وكل الثكنات والمراكز العسكرية في جنوب المغرب وجرح خلالها مرتين.
بعد استشهاد مفجر الثورة الولي مصطفى السيد شارك بفعالية في المؤتمر الثالث للجبهة مؤتمر الشهيد الولي مصطفى المنعقد في 25 غشت 1976 وكان حينها جريحا، وانتخب عضوا باللجنة التنفيذية وأمينا عاما للجبهة. ومن بين الأولويات التي كان يدعو إليها في المؤتمر وحدة القيادة والشعب والدعوة إلى شن هجمة الشهيد الولي مصطفى السيد.
كان قائدا عسكريا محنكا يدير المعارك ويشرف عليها بكل شجاعة ورزانة وتحكم واقتدار سواء في الصحراء الغربية أو في جنوب المغرب او في شمال وجنوب شرق موريتانيا آنذاك.
كان له شرف المساهمة في بناء المؤسسة العسكرية بكل مكوناتها وتشكيلاتها وتحديثها عبر كل مراحل الكفاح والحرص على الإعداد والتكوين المستمر للعنصر البشري من خلال التخطيط والإشراف الميداني على المعارك والتدريب إلى أن أصبح الجيش الصحراوي نموذجا يحتذي في المنطقة وتدرس تجربته القتالية والتنظيمية في الكليات والمدارس الدولية.
وكان رمزا لمشروع بناء الدولة الصحراوية الديمقراطية العصرية حيث كان حريصا على شمولية البناء لكل مكوناتها حالا ومستقبلا وتكييفها مع المراحل، وكان يولي الأهمية القصوى للتعليم والصحة والعدالة والقانون ويركز في ذلك على ما تمليه التطورات الدولية من فصل السلطات والدور النيابي في الرقابة وضمان الشفافية ونزاهة الانتخابات واحترام حقوق الإنسان وأنشأ الآليات والهيئات التي تضمن ذلك.
وأولى الشهيد اهتماما خاصا بالمرأة وأقنع المجتمع بضرورة تبؤئها لمكانتها الطبيعية في كافة الهيئات السياسية والإدارية. ومن أبرز انشغالاته العناية الدائمة والخاصة التي كان يوليها للشباب وكانت قناعته أن الطلائع الحقيقية للشباب هي تلك التي تلتحق باستمرار بصفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي دون أن يغفل عن بناء المؤسسات السياسية والإدارية التي تعنى بالشباب.
عمل منذ البداية على توسيع دائرة الاعتراف بالدولة الصحراوية وكان مستميتا في إقناع الأفارقة بانضمام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إلى حظيرة منظمة الوحدة الإفريقية وواجه ادعاءات الحسن الثاني وقبل الاستفتاء وأقنع الأفارقة بتشكيل لجنة حكماء من رؤساء دول لإعداد المشروع الذي أصبح يعرف بخطة التسوية المشتركة بين الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة والتي وقعها المغرب وجبهة البوليساريو في 30 غشت 1988 وقبل بالتفاوض بمراكش وبالرباط وقبل ذلك في الطائف والجزائر والبرتغال لإفشال مناورات الحسن الثاني وحشد الدعم وكل وسائل الضغط لإرغام المغرب على الدخول في مخطط التسوية الأممي الذي دخل حيز التنفيذ في 6 سبتمبر 1991.
كان من بين القادة الأفارقة الذين أسسوا الاتحاد الإفريقي.
عرف كيف يتعامل مع المغرب وضغوط حلفائه لتجاوز العراقيل أمام تحديد الهوية وفرض على المغرب التوقيع على اتفاقيات هيوستن ليقنع العالم فيما بعد بأن المغرب لا يريد الحل السلمي ولا خطة الأمم المتحدة وهو ما اتضح من خلال رفض المغرب لمخطط التسوية ولخطة بيكر فيما بعد.
انتهج الشهيد محمد عبد العزيز في تعامله مع المغرب خطة العزل وتضييق الخناق فنجح في عزله عن إفريقيا وعن أمريكا اللاتينية ونقل الصراع فيما بعد إلى الساحة الأوروبية عن طريق البرلمانات وحركات التضامن الواسعة التي كان يحرص على حضور ملتقياتها السنوية شخصيا ليحول الصراع على الساحة الأوروبية إلى صراع قانوني أنتج قرار محكمة العدل الأوروبية بعدم شرعية نهب ثروات الإقليم واحتلال المغرب للصحراء الغربية.
مع تعثر مخطط التسوية والتأكد من عدم جدية المنتظم الدولي والمغرب في السير في مخطط التسوية أعلن عن انطلاق انتفاضة الاستقلال المباركة بالأرض المحتلة وحرص على توجيهها والوقوف إلى جانب ضحايا القمع الوحشي المغربي ومؤازرة والشد على يد المعتقلين والمرافعة عنهم وكان حريصا على استقباله الشخصي لوفود الأرض المحتلة التي تزور مخيمات العزة والكرامة
كان مفاوضا متميزا مع الأمم المتحدة ونتاج ذلك هو إدخال المغرب في الصراع مؤخرا مع الأمم المتحدة حسب مراحل: المبعوث الشخصي، الممثلة الخاصة، الأمين العام وأخيرا مجلس الأمن.
خلق شبكة واسعة من العلاقات الشخصية خدمة للقضية الوطنية مع رؤساء دول وحكومات برلمانيين و كتاب وصحفيين وفنانين ومبدعين، وفي مقدمتها حرصه على العلاقات المتميزة مع دول الجوار بما فيها مع الشعب المغربي.
كان الشهيد محمد عبد العزيز، شخصية متميزة في معرفته الدقيقة لكل مكونات المجتمع الصحراوي كهوية وثقافة وتميز وأستحدث في تجربته الناجحة كل الأساليب التي تحظى بقبول كافة الصحراويين. كان شيخا مع الشيوخ وشابا مع الشباب ومثقفا مع المثقفين وإعلاميا مع الإعلاميين وعسكريا مع العسكريين ودبلوماسيا مع الدبلوماسيين متسامحا إلى أبعد الحدود وصبورا إلى درجة الانتقاد من طرف الرفاق لكنه متشددا وصارما في كل ما من شانه المساس بالقضية الوطنية. وكان يعرف قيمة الوقت في مراكمة التجرية ويتسامح مع كل الأخطاء التي تندرج في إطار اكتسابها وتقويتها. كان سريع التكيف مع التطورات الطارئة وكان دائما يرسم خططه لتفادي المفاجأة وبالشكل الذي يضمن تقوية الوحدة الوطنية والدفع بمسار القضية والوطنية وقطع الطريق أمام العدو. كان واسع الصدر عطوفا على الآباء والشخصيات الوطنية وأرامل الشهداء والمعوزين.
عاش بسيطا ومتوضعا ومات بسيطا ومتواضعا ، لكنه عاش عظيما ومات عظيما.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *