-->

رأي الانتفاضة


في خطابه للرعية بمناسبة الذكرى 17 لتوليه مقاليد الحكم ارتكن ملك المغرب الدفاع عن خدمه وتبرير حجم ومستوى الفساد في مملكته قائلا أن لا عصمة إلا لله ورسله وملائكته وبعد أن سعى شكليا النأي بنفسه عن الصراعات الحزبية على السلطة هاجم خصوم حزبه "الوطن" الذين يطلقون تصريحات ومفاهيم تسئ لسمعته مؤكدا أن له مكانة خاصة على الجميع تفادي استخدامها في أي صراعات انتخابية أو حزبية وقبل أن يغادر فقرة الخطاب هذه يكون السادس قد انتصر بحسب المراقبين للدولة الباطن على الدولة الظاهر .
وعلى شاكلة خطبه الأخيرة نهل السادس من قاموس فلسفته ومفاهيمه الحداثية بأسلوب لا يخلو من ديماغوجية فهو مثلا يتحدث عن مفهومه للسلطة الذي يتجاوز الإدارة الترابية ليشمل كل من يتولى مسؤولية عمومية وفي أي مجال كان .
 انه التعميم إذن،  قيل في المثل "إذا عمت هانت" فتبا لمن أراد محاسبة الفتيت و خدام الدولة دون غيرهم من الرعاع
ثم أن مواضيع خطبه الفلسفية من الثروة إلى الفساد يراد منها إيهام الرعية بوجود بطرك يستلهم قول المسيح "إذا ضربك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، وإذا أخذ أحدهم رداءك فأعطه إزارك".
ثمة إشارة ولأول مرة في خطابات الرجل لما اسماه الصراعات الفارغة بين الجهات الأمنية وضرورة التنافس الايجابي في صيانة ما قال انه وحدة الوطن وأمنه واستقراره  كما أن في الخطاب إصرار على بيع الوهم للداخل وادعاءات كذبتها جهات حليفة باستباق هجمات والتبليغ عن تواجد مطلوبين على أراضيها .
وكمدخل للقضية الأساس عمد محررو خطاب السادس إلى التباهي بالطفرة الاقتصادية والتنموية دونما حاجة إلى النفط والغاز وهي إشارة إلى ما يمكن أن نسميه (Algerophobia)  فلم تخلو خطاباته الأخيرة من تهجم على الجزائر لمواقفها الثابتة إن بالعبارة أو بالإشارة .
لقد ودع السادس وبنفسه "الحكم الذاتي" وهو يتحدث عن انفتاح بلده واستعداده الدائم للحوار البناء من اجل إيجاد حل سياسي نهائي للنزاع دونما إشارة إلى أي قاعدة . وفي خطابه هذا إقرار صريح بقوة الخصوم الذين وصفهم ب"المسعورين" وأخر مضمر حين الحديث عن ما اسماه المؤامرات المغلفة والمفضوحة في إشارة إلى القناعات التي استنتجتها الأمم لحل القضية وفق ميثاقها وقراراتها وبما يضمن حق تقرير المصير ومصالح الجميع وخدمة للأمن والسلم الدوليين .
كرد فعل على تنكر دول الغرب للخدمات "الجليلة  والنوعية " التي وفرها  له ، اختار السادس أن يكرر عبارته "المغرب ليس محمية لأحد" ، أهي بارانويا ؟ أم أسلوب ضغط  ؟ أو ردة فعل لا تعتبر تبعاتها وتداعياتها ؟  
يبدو أنه يحاول السير وفق النهج الذي رسمه والده المقبور  فهو القائل "كبرها تصغار" ومنذ المواجهة المعلنة مع كريستوفر روس والسادس ينهج التصعيد ليس مع الأمم المتحدة وموظفيها فحسب بل ضد دول ظلت ولاتزال  محط احترام وتقدير الأمم اجمعها  وضد هيئات ومؤسسات هي رمانة ميزان العدالة والديمقراطية والحرية لدى الغرب  وهو بذلك يعتقد أن الجميع سيسلم بطروحاته .
أما بخصوص انضمامه للاتحاد الإفريقي فما هي إلا محاولة لفك العزلة عن نفسه فلا هو من الغرب الذي تنكر له مثلما أسلفنا  ولا هو من الشرق الذي منحه ما تبقى من أوراق ورجع خالي الوفاض ولا هو حتى من عمقه القاري الذي تنكر له ونال منه إرضاء لسادته وهو اليوم يقر بقامته  ويطرق باب الرجى  .
إن محاولات تبرير طلب انضمامه للاتحاد الإفريقي وجلوسه إلى جانب ممثلي الجمهورية الصحراوية هو حتما اعتراف صريح بهذه الدولة وهو انتصار للصحراويين ضد أوهامه وتطلعاته التوسعية، وهي لحظة مفصلية في تاريخ النزاع .
إن القراءات التي اعتبرت بعض مضامين  هذا الخطاب تهديدا وتمردا على الشرعية ، وان كنا اشرنا إليه بالبارونيا سلفا فإنها تذكرنا بأبيات أبي بكر بن عمار في ذم المعتمد بن عباد
ألقاب مملكة في غير موضعها            كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *