الإنتفاضة و الديبلوماسية .. كيفية الإنسجام مع تطور المرحلة .
مبارك سيدي أحمد مامين
إن الذي يواكب التطورات التي ترافق القضية الوطنية الصحراوية منذ انضمام دولة الإحتلال المغربي لمنظمة الإتحاد الإفريقي سيلاحظ ظهور أسس جديدة تطبع المعركة بين الجمهورية الصحراوية و مملكة الإحتلال على المستويين الإقليمي و الدولي و وقوع المغرب في فخ كبير غَيَّرَ المعادلة بالكامل . اليوم يمكن القول أنه لا وجود لحل دون الأخذ بعين الإعتبار الواقع السياسي الذي لا يمكن القفز عليه أو تجاوزه وهو أن الجمهورية الصحراوية أصبحت واقعا ثابتا لا تستطيع أي قوة التشكيك فيه سواء بالإستفتاء أو بغيره من المقتراحات الأخرى كالكونفدرالية أو الحكم الذاتي , وهو أمر جعل كل الجبهات النضالية الديبلوماسية منها أو جبهة الإنتفاضة تنسجم مع هذا الواقع السياسي الجديد بالفعل و بالخطاب .
على مستوى انتفاضة الإستقلال المباركة فالفاعل و المراقب سيلاحظ خلال الأشهر الماضية تغير ملحوظ على مستوى الفعل و شكله - نمطه , فلا وجود لأي مظاهرة إلا و العلم الوطني الصحراوي موجود مع تكرار مستمر لشعار " الدولة الصحراوية هي حل القضية " , وهو وضع يختلف عن المرحلة الماضية التي كانت فيها المظاهرات تركز على حمل اللافتات و اليافطات التي يطغى عليها الطابع الحقوقي أكثر من السياسي , حتى أن نمط تنظيم المظاهرات تغير. ففي الماضي كان لابد من إرسال رسائل لجهات و منظمات دولية و تحدد تاريخ و مكان المظاهرة وبعد ذلك تكون هناك مراسلات عن المنع أو القمع ... الخ , أما اليوم فالمظاهرات أصبح لها نمط اخر لا يضع هذه الإجراءات كشروط رئيسية بل الشرط الأساسي هو العلم الوطني و ضرورة حضوره .
هذا النهج الجديد لانتفاضة الإستقلال بالمدن المحتلة جعل الإحتلال المغربي يقف عاجزا أمام قدرة المناضلين و المناضلات على فهم الواقع الجديد و الإنسجام معه و توفير كل ما تتطلبه المرحلة لدعم المعركة الديبلوماسية بالصورة التي لا يحتاج الأجنبي للكثير من الأسئلة لكي يستطيع تحديد مطالب المظاهرات لأن العلم الوطني أجاب بشكل كافي و أكثر , و هذا يجعلنا نفهم بشكل واضح الحملة التي أصبحت تستهدف الإعلاميين الصحراويين بالجزء المحتل من وطننا لأن معركة الصورة تعني بالدرجة الاولى الإعلام المقاوم الذي يرافق معركة العلم الوطني . إذن فالمعركة النضالية على مستوى الإنتفاضة اليوم ترتكز على أولوية العلم الوطني و الإعلام ويمكن القول أن المعركة الحقوقية أصبحت في ثالث الأولويات أو رابعها وهو ما يبرر أيضا وجود نقاش حول مواضيع " التعامل مع إدارات الإحتلال ومحاكمه ... الخ" في ظل التطورات السياسية السالفة الذكر .
المعركة الديبلوماسية هي الأخرى تعتبر رأس الحربة في المرحلة الحالية كونها في خط التماس مع الخارج الذي يجب أن نُفْهِمَهُ ما نريد وما نطمح إليه ولا بد "نجوه من الحاشية " أي أنه لا وجود لغير الدولة الصحراوية كقاعدة للتفاوض ولا شيء غير ذلك , وهذا بكل صراحة لا يتحمل وجود ديبلوماسي خامل أو سفير يعاني من عقلية كلاسيكية لا تنسجم مع الواقع الدولي الحالي أو يكون وزير في دولة خارجية لسانه للقضية وعقله في الخيام , لذلك نحتاج كفاءات شابة ذات الكفاءة متسلحة باللغات و إطلاع على تطورات الوضع الدولي بشكل دقيق و مستفيدة من تجارب الديبلوماسية الصحراوية التاريخية في إفريقيا و العالم .
فالديبلوماسية الصحراوية على مستوى إفريقيا و أوروبا بدأت تخلق خطابا موحدا موجه للنخبة السياسية الأوروبية يعطي كل الأولوية لواقع " الدولة الصحراوية " ودورها في المنطقة كعامل توازن و استقرار , وربما يحدث هذا علاقة بتوقيع اتفاق الصيد البحري بين دولة الإحتلال المغربي و الإتحاد الأوروبي وتجاوز قرار محكمة العدل الأوروبية و موقف البوليساريو _ كحركة _ كممثل للشعب الصحراوي , ولعل الندوة المنظمة مؤخرا بفرنسا و نوعية الخطاب الذي وظف فيها من طرف المحاضرين من داخل برلمان دولة من حجم فرنسا يدعونا للاتقاط الإشارات الجوهرية و التي تكشف جانبا من أسس و قواعد المعارك القادمة على المستوى الدولي ونوعية خطابنا كصحراويين .
الندوة التي نظمت بمقر البرلمان الفرنسي و التي ركزت على دور الدولة الصحراوية في المنطقة , تدعونا كما أسلفت إلى إلتقاط الإشارات في انتظار ندوات في دول أوروبية أخرى أو في الولايات المتحدة الأمريكية لما لا ؟ تبرز دور الجمهورية الصحراوية و مؤسساتها و تأثيرها في محيطها خصوصا في ظل الإهتمام المتزايد لإدارة ترامب بالوضع في منطقة شمال إفريقيا . هذه التطورات ربما تحتم علينا ربط الإنتفاضة بإفريقيا وعدم الإكتفاء بذاك الرابط الموجود بين الأرض المحتلة و جنيف أو بعض الدول الأوروبية فقط , فالإنتصارات الحقيقة الموجودة و التي تنسجم معها الإنتفاضة اليوم جائت بها إفريقيا و الواقع الجديد جائت به إفريقيا , والمرحلة إذا كانت تسنجم فيها الإنتفاضة بالديبلوماسية لنصرة معركة "الدولة الصحراوية " فلا نُصِيب ْإذا قوقعنا الإنتفاضة في أوروبا وحصرنا تواجدها في جنيف .
الدولة الصحراوية هي الحل .