في حين يبحث أطباء العالم عن لقاح ينقذ البشرية من فيروس كورونا المستجد، ويعيد شيئاً من الأمل ويبعث نوراً من التفاؤل في حياة أظلمت بفعل الخوف والترقب والموت، أعلن علماء من جامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة مؤخراً، توصلهم لاختراع لقاح سيتوفر لدى الأطباء، ابتداء من شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
خبر تناقلته كل الفضائيات وتبادله رواد مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق. ربما لأننا بتنا نشتهي الحياة في كل بتفاصيلها الصغيرة، التي لم نكن نمنحها التقدير الذي تستحق.
فأنا، مثلاً، حالي حال الملايين من الناس، أتلهف اليوم لفنجان قهوة من يدي أمي الحنون، أمي التي لم أتمكن من رؤيتها منذ شهور، على الرغم من أني ابنتها الوحيدة، حتى ينتهي كابوس كورونا، خوفاً عليها من العدوى.
هكذا أشعر وكأن قلبي ينشطر نصفين، رغم إرادتي، وبت أؤمن أن هناك شيئًا ما معلقاَ بين الحياة والموت. ما بين الحب واللاحب. ما بين النهاية وفعل النهاية.
إنه زمن يشبه كرسي الاعتراف. كل ما يلقى عليه غزير الدموع والخطايا ومراجعة الذات والحنين والفقدان والانكسار. ولكن تبقى محاولة استعادة الأمل في الحياة، خلاصنا الوحيد.
نعم ، لقد أتعبنا الحجر بشدة.
وكم أتشوق أن ينبلج الفجر قريباً فتنفجر الحياة بمائها وزغاريدها وألوانها وأعيادها.
وأعود لأستيقظ على صوت المارة في الشارع وهم يسرعون إلى محطة القطار.
وها أنا، مثل باقي البشر، أنتظر بفارغ الصبر أن يزدحم الطريق بالسيارات ويعلو ضجيجها.
لا لن أغلق الشباك، كما كنت أفعل في الماضي، بل سأفتحه على مصراعيه، وأبحث عن مزماري القديم الذي كنت قد اشتريته منذ سنوات من مدينة بيروت لأزمر لها ثانية.
بت حتى أشتاق لسماع جاري المزعج، وهو يغني في حديقته المجاورة لبيتي بصوته الفج القبيح. لا لن أقفل أذني، بل سأرقص وأهلل له ومعه من بعيد.
سأجد بعد انتهاء الحجر كل يوم حجة جديدة للاحتفال، ستبهجني حتى تلك الغيوم اللندنية.
سأبتسم لها وهي تغطي السماء وأحييها وهي تسقط بعضها بين البيوت، وتدفع بعضها الآخر ليتجمع بثقة فيحجب أشعة الشمس الخجول. سأرافقها وهي تغيب بشكل مفاجئ ليهبط ضوؤها الساطع متناثرًا ككسرات من ذهب يضيء قطرات الندى الصباحية المعلقة على أطراف الورود.
أتوق إلى عناق تلك الأشجار الواقفة على جانب الطريق. وقد بدأت تفقد بعض أزرارها، التي تنبئ بسعادة هزها الحنين عن الأغصان، ومضى يبلّل أطراف الورود الوحيدة، التي لمحتها من خلف زجاج الباب تلوّح لي متمايلة مع ريح عادت لا أعرف من أي صوب، ولكنها أتت فقط لتهز الحياة في داخلي.
لنتفاءل قليلاً وننتظر. فقد نجح العلماء في اكتشاف لقاح لفيروس كورونا في أقل من ثلاثة أشهر. وهم ما زالوا يعملون ليل نهار ليصبح متوفراً في أقرب وقت ممكن حتى تستكين حالة الرعب المسيطرة على سكان هذا الكوكب القلق.
وحسب ما ذكرت قناة «بي بي سي» عربي، أنه لقاح مطور من نسخة غير ضارة من فيروس يحمل اسم أدينو وهو يسبب نزلات البرد الشائعة لقردة الشامبنزي. ولكن تم تعديله وراثياً حتى يحمل جزءاً من فيروس كورونا، بحيث لا ينمو لدى الإنسان.
كما تمّ حقن متطوعين إثنين من بين 800 آخرين سيتم حقنهم بشكل تدريجيّ.
ولكن لماذا ننتظر ثلاثة أشهر أو أكثر حتى يصبح اللقاح متوفراً في المراكز الطبية إن كان هناك عالم أمريكي «عبقري» قد أعلن من «مختبره» في البيت الأبيض عن وجود دواء متوفر في كل البيوت، قاتل للفيروس وصاحبه؟!
ولماذا يجرب العلماء اللقاح على شخصين في حين نستطيع أن نحقن بعضنا البعض في منازلنا ونحن نشاهد التلفاز أو ببساطة نقدم لبعضنا البعض كؤوساً من مطهر «الديتول « ونشرب آخر نخب في هذه الحياة قبل أن نودعها، وكان الله يحب المحسنين؟!
العالم البهلوان أقر أن حقنة من المطهرات تقضي على كورونا في لحظات. معه حق، فالمحقون المسكين سوف لن يموت من كورونا بل متسمماً.
مشكلة الرئيس الرئيس الأمريكي أنه دوماً يجعل من نفسه مادة دسمة للسخرية، لا لشيء سوى، لأنه يفتح فمه دائماً على سعته ويفتي في ما لا يفهمه.
لقد عاد بعد ساعات من تصريحاته الغبية في تغريدة يؤكد فيها أنه كان يمزح ولم يكن جدياً في موضوع حقن المطهرات.
وهنا المصيبة الكبرى!
كيف يمزح بهذه الطريقة في حضرة أهم العلماء والأطباء في العالم، أمثال الدكتور أنتوني فاوتشي، خبير الفيروسات ومدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض ومسؤولة ملف كورونا في البيت الأبيض الدكتورة ديبورا بريكس، التي بدت متوترة جداً، وهي تجلس قريباً منه، فيما يطلق العنان لتصريحاته؟
هل يحتمل العالم في عز أزمته مثل هذا النوع من المزاح؟ ومع من يمزح بالضبط؟ مع المفكرين والعلماء والمثقفين، الذين لا يستمعون له أساساً؟
من الواضح، أن من يصغي إليه هم أولئك الجهلة الذين انتخبوه، والذين خدعوا بوعوده وخطاباته التهريجية والشعبوية. ومن يدري قد يكون هناك من سارع لشراء الحقن مباشرة بعد تصريحه المجنون هذا!
مريم مشتاوي ـ كاتبة لبنانيّة
القدس العربي
