مدير مجلة 20 ماي "الدولة الصحراوية الحالية، الند الطبيعي لملكية المخزن، وعامل استقرار المنطقة وتوازنها برمتها"
ابرز مدير مجلة 20 ماي الاخ حمدي الحافظ لسان حال الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب خلال مداخلته بالندوة الفكرية حول الشهيد محمد عبد العزيز التي اشرفت على تنظيمها وكالة الانباء المستقلة اليوم الاثنين ان الدولة الصحراوية الحالية، الند الطبيعي لملكية المخزن، وعامل استقرار المنطقة وتوازنها برمتها، لم تتشكل إلا عبر مخاض طويل وعسير من التحوّلات الفكرية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، قبل أن تتّخذ هذه الهيئة المعاصرة. وما كان لكيان هذه الدولة أن يكون، إلا في سياق تراكميّ تحقّقت فيه حلقات متعاقبة من بنائها ككيان، وما كان يمكن إنجاز أيّ حلقة من حلقات هذا التطوّر إلاّ من خلال الوعي العميق والمتجذر الذي كان الشهيد محمد عبد العزيز يؤمن به ويديره ويجسده دون هوادة.
وفيما يلي النص الكامل لمداخلة الاستاذ حمدي الحافظ :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين.
بودي في البداية ونحن نخلد الذكرى الخامسة لاستشهاد القائد الرمز الرئيس محمد عبد العزيز، أن أحيي الإخوة المبادرين إلى هذه الندوة، والمشرفين عليها في ذات الوقت وأخص بالذكر الزميلين في وكالة الأنباء المستقلة: الأخ العزيز حم المهدي والصالح ابراهيم.
أحيي كذلك كل المشاركين، المتدخلين منهم والحاضرين، ولكن لا بد أن أتقدم بتحية إجلال وإكبار إلى الجسورة اللبوءة المناضلة "السلطانة" سلطانة سيد إبراهيم خيا والعصية على الأعداء الأخت لوعيرة، ومن خلالهما إلى عائلتهما الكريمة والمناضلة، وإلى كل المناضلات والمناضلين الوطنيين في مدينة بوجدور المحتلة وغيرها من المدن والأراضي الصحراوية القابعة تحت وطأة الاحتلال والاستعمار المغربي.
أرفع التحيات والإجلال والتقدير إلى كافة المعتقلين السياسيين الصحراويين في سجون الاحتلال المغربي وعلى رأسهم معتقلي اكديم ازيك، وأدعو الله العلي القدير أن يفك أسرهم ويطلق سراحهم وأن يعيدهم إلى أهلهم وشعبهم منتصرين غانمين معززين مُكَرمين.
أحيي كذلك باعتزاز وفخر مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي الأشاوس الذين نستلهم منهم مثل التضحية والإيمان بعدالة القضية والشجاعة والعطاء والإخلاص والنبل وقدسية الوطن ووحدة الشعب وروح الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وتجددها وديمومتها.
الأخوات والإخوة الكرام؛
إن التنظيم السياسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب هو روح وشظى رحى الجمهورية الصحراوية، هذا التنظيم الثوري الطلائعي بُني بفضل مهارات وقدرات وأفكار مناضلين صحراويين ثوريين وتاريخيين عظماء.
إن الرئيس القائد الرمز الشهيد محمد عبد العزيز هو أحد هؤلاء، فهو الأب، المناضل المخلص، البسيط المتواضع، العامل، الصبور، المتفاني الدؤوب على الدوام، السياسي، الزعيم، المقاتل الشجاع، المستلهم للحكمة، اليقظ العبقري، الاجتماعي، المحاور والمتسامح، الثواب للحق؛ الشرس على الأعداء.
إن التنظيم السياسي الثوري للجبهة هو بناء فلسفي\سياسي متكامل، مفصل، محدد الأهداف والغايات، يتميز عن جميع التنظيمات العالمية الأخرى بمرونته الشديدة وترابطه الروحي وتعاشقه العضوي، وبدون أدنى شك، لا يمكن الحديث عن هذا التنظيم دون الحديث عن الشهيد الرئيس محمد عبد العزيز، الذي كان ضمن الزمرة الأولى التي وضعت لبناته الأولى.
لقد لعب الشهيد محمد عبد العزيز دورا محوريا ومتجذرا في بناء التنظيم السياسي للجبهة، جاعلا منه تنظيما لا يستجيب فقط لتطلعات الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال، ولكن أيضا تنظيما تاريخيا يستمد طاقته وكينونته وديمومته من عمق الموروث الروحي الوطني: التاريخي والثقافي والاجتماعي، وكل العارفين بخصال الشهيد يقدرون قوة الذاكرة لدى الرجل وسعة اطلاعه وكاريزميته العالية في نسج العلاقات حتى خارج محيط الجغرافيا المعهودة، وهذا أبسط مثال على ما أسلفت.
لقد استطاع الشهيد إذا نظرنا إلى بنائه التنظيمي ـ المؤسساتي أن يحدد بدهاء وعبقرية متجددة المسافة الإجتماعية الناظمة، بين قلوب الجماهير الملتهبة والعقول الباردة أو المترنحة، ما جعهل منه رجل قضية بدون منازع، حامل قضية بلا كلل، ساعيا إلى ترسيخ القيم الوطنية العليا في الكفاح والتضحية والمثالية العالية. وأعتقد أن هذا الثالوث هو مرتكز وشرط بناء التنظيم السياسي لدى الشهيد محمد عبد العزيز.
إن سؤال معرفة التنظيم السياسي للجبهة هو في الواقع متلازمة لسؤال كبير عن ذات الشهيد محمد عبد العزيز، في معرفته ووسائله الإدراكية وقيمه التي تستوجب منا التبكير بالوقوف والتفكر، في أساليبه وسياساته النظرية والتطبيقية، الداعية إلى بناء تنظيم وطني ثوري واجتماعي خلاق، متميز، مُقْنع وملهم، يستريح الصحراويون في كينونته وكنفه ويتعايش فيه بسلام جيراننا في المنطقة.
على هذه الأسس؛ وفي خضم الملحمة العظمى والصراع الراسخ؛ لم يدخر الشهيد الرئيس محمد عبد العزيز أي جهد لدحر ودحض كل الحواجز والعوائق التي تحيل دون ذلك، ولعل أبرزها أمرين أساسيين هما:
العدو المخزني المغربي الاستعماري، النقيض الإيديولوجي والوجودي لتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وللدولة الصحراوية من جهة، والقبلية من جهة أخرى باعتبارها نقيض البناء السياسي الذي يتطلب لبنة جديدة للتماسك والاستمرارية أساسها الوعي الفكري والبعد النظري. لذلك فصراع الصحراويين التاريخي الذي نلمسه وندركه من الوعي التأويلي وغير الارتيابي في فكر الشهيد الرئيس محمد عبد العزيز هو مع هاذين العدوين، إذ لا يمكن للصحراويين نيل كرامتهم وحريتهم وبناء دولتهم في ظل وجودهما.
إن الدولة الصحراوية الحالية، الند الطبيعي لملكية المخزن، وعامل استقرار المنطقة وتوازنها برمتها، لم تتشكل إلا عبر مخاض طويل وعسير من التحوّلات الفكرية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، قبل أن تتّخذ هذه الهيئة المعاصرة. وما كان لكيان هذه الدولة أن يكون، إلا في سياق تراكميّ تحقّقت فيه حلقات متعاقبة من بنائها ككيان، وما كان يمكن إنجاز أيّ حلقة من حلقات هذا التطوّر إلاّ من خلال الوعي العميق والمتجذر الذي كان الشهيد محمد عبد العزيز يؤمن به ويديره ويجسده دون هوادة.
إن عملية بناء التنظيم السياسي تتحدد بالنسبة للشهيد الرئيس محمد عبد العزيز في مفهوم وجود الدولة الصحراوية، ومؤسسات الدولة الصحراوية الحديثة، وهذا يعني أنه لا بد من ركم الاستخلاصات العميقة للثوابت الرئيسة للتجربة الوطنية التاريخية.
وعليه؛ فالتحرر الوطني بالمفهوم الاستراتيجي هو قدرة التنظيم الطلائعي الثوري: الجبهة الشعبية على إزالة كل أشكال التسلط الأجنبي عن كل شبر من ترابنا الوطن وحماية ثرواته. وببساطه، التنظيم السياسي الثوري الذي جسده الشهيد الرئيس محمد عبد العزيز، واجتهد في بناء مؤسساته هو التنظيم الوطني الموحد والمتلاحم، المكافح والمقاوم للعدو وللاحتلال والاستعمار المخزني المغربي بوجه خاص وبكل الطرق المشروعة، حتى إقامة السيادة الوطنية المستقلة على كامل تراب الجمهورية وعلى كامل ثرواتها الطبيعية.
مرة أخرى أجدد تقديري وتحياتي للزملاء المشرفين على تحضير وتسيير هذه الندوة، واستغل الفرصة لأترحم من جديد على روح البطل الذي فارقنا منذ أيام الشهيد سيد أحمد بطل، والرحمة والمجد والخلود لشهدائنا البررة.
مداخلة: حمدي الحافظ\ مدير مجلة 20 ماي.