قررت الجزائر رسميا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب ابتداءً من اليوم الثلاثاء على خلفية سلسلة من الأعمال العدائية المتواصلة التي تقترفها المملكة ضد الجزائر منذ فترة طويلة.
فخلال ندوة صحفية بالجزائر العاصمة، ذكر وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة بأن المملكة المغربية "لم تتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية و عدائية ودنيئة ضد بلدنا" منذ 1963 عندما شنت المملكة "حرب أشقاء" ضد الجزائر.
وفي عام 1976، قرر المغرب "بشكل فجائي قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر التي قامت حينها، إلى جانب عدد من الدول الشقيقة الأخرى، باتخاذ القرار السيادي بالاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". وبعد اثني عشر عاما من قطع العلاقات الدبلوماسية، قرر البلدان سنة 1988 تطبيع العلاقات الثنائية.
ففي هذا الإطار، أوضح الوزير أن البيان المشترك الجزائري-المغربي الصادر في 16 ماي 1988، والذي يمثل الأساس والأرضية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قد تمت صياغته ضمن أفق طموح ومسؤول، حيث تضمن 4 معايير هامة جعلت من تطبيع العلاقات بين البلدين أمرا ممكناً".
ويتمثل ذلك في الرغبة في تعزيز علاقات دائمة قوامها السلم وحسن الجوار والتعاون بين الشعبين الجزائري والمغربي، وإعادة التأكيد على الصلاحية الكاملة
للمعاهدات والاتفاقات المبرمة بين البلدين، إضافة إلى المساهمة الفعالة في تسريع بناء المغرب العربي الكبير.
ويتعلق الأمر أيضا بالمساهمة في تعزيز الصف العربي حول القضية الفلسطينية المقدسة، بما يكرس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في إقامة دولته وتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك مدينة القدس الشريف، وكذا دعم حل عادل ونهائي لنزاع الصحراء الغربية عبر تنظيم استفتاء حر ونزيه يسمح للشعب الصحراوي بتقرير مصيره في كنف مصداقية تامة وبدون أي إكراهات.
وأوضح رئيس الدبلوماسية الجزائرية أنه "من الواضح، اليوم، أن المملكة المغربية قد تخلت بصفة خطيرة وممنهجة، بشكل كلي أو جزئي، عن الالتزامات الأساسية التي تشكل القاعدة الأساسية والأرضية المرجعية التي تقوم عليهما عملية تطبيع العلاقات بين البلدين".
وواصل يقول إن "المملكة المغربية قد جلعت من ترابها الوطني قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر.
آخر هذه الأعمال العدائية تمثل في الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته الرسمية للمغرب، بحضور نظيره المغربي، الذي من الواضح أنه كان المحرض الرئيسي لمثل هذه التصريحات غير المبررة".
وهنا تأسف السيد لعمامرة بقوله "أنه منذ عام 1948، لم يُسمع أي عضو في "حكومة إسرائيلية" يصدر أحكامًا أو يوجه شخصيا رسائل عدوانية من أراضي دولة عربية ضد دولة عربية أخرى مجاورة، وهذا الأمر يتعارض مع كل الأعراف والاتفاقات الجزائرية-المغربية. تدل هذه الظاهرة على العداء الشديد والاندفاع المتهور دون أدنى قيد أو حدود".
وعلى صعيد الأمن الإقليمي، فإن قيام السلطات المغربية بمنح موطئ قدم لقوة عسكرية أجنبية في المنطقة المغاربية وتحريض ممثلها على الإدلاء بتصريحات كاذبة وكيدية ضد دولة جارة، يشكل عملا خطيرا وغير مسؤول ينتهك أحكام المادة 5 من معاهدة الأخوة وحسن الجوار والتعاون المبرمة بين الجزائر والمغرب، فضلا عن كونه يتنافى تماما مع الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب البيان المشترك الجزائري-المغربي الصادر في 16 ماي 1988، يضيف السيد لعمامرة.
= قطع العلاقات مع المغرب لن يؤثر على وضعية الرعايا =
تشمل الأعمال العدائية التي قام بها المغرب، يذكر رئيس الدبلوماسية الجزائية، بالتعاون البارز والموثق للمملكة المغربية مع المنظمتين الإرهابيتين المدعوتين "ماك" و"رشاد" اللتين ثبت ضلوعهما في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق المهولة التي شهدتها عديد ولايات الجمهورية مؤخرا، إلى جانب عملية التعذيب والقتل الهمجي الذي راح ضحيته المواطن جمال بن اسماعين (تغمده الله بواسع رحمته).
ومن جانبها، فإن الفضيحة، التي لا تقل خطورة عن سابقتها، والمتعلقة ببرنامج "بيغاسوس" قد كشفت، بما لا يدع مجالا للشك، عمليات التجسس الكثيفة التي تعرض لها مواطنون ومسؤولون جزائريون من قبل الأجهزة الاستخباراتية المغربية.
ومن جهة أخرى، وبشأن "الالتزام بتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، فقد تخلت المملكة المغربية عن التعهد الرسمي الذي التزم به الملك الحسن الثاني والمدون في وثائق رسمية لمنظمتي الوحدة الافريقية والأمم المتحدة، بينما يعيش القادة الحاليون للملكة على وقع وهم فرض إملاءاتهم على المجتمع الدولي فيما يتعلق بأطروحة "الحكم الذاتي" المزعومة.
وبعد أن أجهضت، بشكل ممنهج وعن سوء نية، كل الجهود الدولية تحت رعاية الأمم المتحدة، يضيف الوزير، "حطمت المملكة المغربية كل مجال للثقة في تعهدها وتوقيعها، في الوقت الذي يتظاهر فيه حكام وممثلو المملكة بدعم جهود المنظمة الأممية التي تظل، في إطار مسؤولياتها، ملتزمة بشكل كامل وحتمي بالبحث عن حل يحظى بقبول الطرفين، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، ويضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بكل حرية".
وحمل المغرب مسؤولية تقويض بناء اتحاد المغرب العربي، مذكرا بالقرار المغربي الانفرادي، المؤرخ في 20 ديسمبر 1995، بتجميد أنشطة مؤسسات اتحاد المغرب العربي دافعا بذلك تدريجيا الاتحاد المغاربي نحو الموت البطيء.
وأكد بأن الجزائر ترفض منطق الأمر الواقع والسياسات أحادية الجانب بعواقبها الكارثية على الشعوب المغاربية. كما ترفض الجزائر الابقاء على وضع غير اعتيادي يجعل المجموعة المغاربية في حالة من التوتر الدائم تتعارض كليا مع المبادئ والقواعد المنظمة للعلاقات الدولية ولعلاقات الجوار والتعاون.
وأكد السيد لعمامرة أن قطع العلاقات الدبلوماسية لن يؤثر على وضعية الجزائريين القاطنين بالمغرب ولا على المغربيين في الجزائر.
قال في هذا الصدد إن قطع العلاقات يعني "أن هناك خلاف عميق بين الدولتين ولا ينبغي أن يؤثر على الشعبين"، مؤكدا أن التمثيليات الدبلوماسية للدولتين ستواصل عملها.
=الجزائر حاضرة إلى جانب ليبيا وتونس وتتبع أزمة سد النهضة عن كثب=
وصرح السيد لعمامرة ردا على سؤال حول الوضع في ليبيا انه "من الضروري ان تجتمع دول الجوار من اجل مساعدة الليبيين على استكمال المسار السياسي للمصالحة الوطنية برعاية الامم المتحدة".
كما أكد أن "تسوية الأزمة في ليبيا يجب أن تتم من قبل الليبيين أنفسهم" مبرزا أهمية "وضع حد للتدخلات الخارجية و تدفق الأسلحة و ضمان انسحاب المحاربين الأجانب و المرتزقة".
وبخصوص الوضع في تونس أشار الوزير إلى أن هذا البلد مهدد من قبل جماعات ارهابية تونسية و أخرى ناشطة في ليبيا موضحا أن الجزائر و تونس تتعاونان في مجال الاستخبارات و الأمن و في المجال العسكري.
وذكر بموقف الجزائر الرافض لأي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية لتونس.
ولدى تطرقه لأزمة سد النهضة على نهر النيل بين مصر و السودان و اثيوبيا أوضح السيد لعمامرة أن الجزائر على استعداد لمساعدة هذه الدول على العودة الى وضع طبيعي.
وصرح رئيس الدبلوماسية الجزائرية ان "واجب الجزائر يتمثل في اظهار الاستعداد و الشجاعة و الاخلاص من اجل مساعدة هذه الاطراف على تجاوز وضعية صغبة و التوصل الى وضعية التفاهم في اطار وضع طبيعي يسمح للشعوب الثلاثة بالاستفادة من هذا المورد الثمين بشكل منظم و شفاف و منصف".
وأضاف ان "لدينا التشجيع من اجل المضي قدما في هذا السبيل و سنبقى متاحين و في خدمة استقرار و ازدهار الشعوب الثلاثة الشقيقة و من اجل جهودهم".
كما اكد السيد لعمامرة ان "الاطراف الثلاثة يعتبرون ان ليس للجزائر اجندة اضافية، و انها لا يمكن ان تتخلى عن تدهور للوضعية بين البلدان الاقرب اليها".

Comments
Post a Comment